عندما حكم الثوار مصر

عندما حكم الثوار مصر

زياد العليمى

زياد العليمى

28 فبراير 2016

منذ خمس سنوات، خرج ملايين المصريين يعلنون حلمهم بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.


خمس سنوات، وحلم بسيط يقف أعداء الإنسانية على مر العصور حائلًا أمام تحقيقه! قبل هذه اللحظة وبعدها، كان الشعب المصري ـ ومازال ـ يحلم أن يحيا في وطن يستحقه! ويصر حكامه على بقاء النظام ليبقى وطننا ملكًا لهم، لا لشعبنا! وما أن يشير واحد ممن حلموا بوطن حر وعادل، إلى ما نظهده من سلبيات، حتى يبادره أصحاب المصلحة في استمرار الفساد والاستبداد، أو من يأملون في استقرار وهمي، بأن الثورة هي السبب في كل ذلك!


والحقيقة التي لا يمكن الجدال فيها، أننا لا يمكن أن نلوم من لا يملك صنع القرار على سياسات وقرارات أصدرها صانعو القرار وتسببت في وصول الأمور إلى ما هي عليه الآن! فالمسؤول وحده دائمًا هو من تولى المسئولية فعليًا، وكان في يده إصدار قرارات لتصحيح الأوضاع، ولم يفعل! أو أصدر قرارات تحافظ على استمرار الفساد والاستبداد، فأصبح راعيًا لهما، مستكملًا مسيرة سابقيه. وهي مسيرة معروف نهايتها للجميع؛ الانهيار التام الذي خرج الملايين لمحاولة منعه، وبعث أمل جديد للبلاد في الإصلاح! وهنا يصبح المسئولون عن وصول الأمور لما هي عليه الآن هم، المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى الحكم بعد 11 فبراير، ومن بعده د. محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، والمستشار عدلي منصور، والمشير السيسي، ولا يمكن لوم غيرهم على أي سلبيات أو قرارات، أو إجراءات  خلال السنوات الخمس الماضية.


وإن أردت معرفة ما قدمه كل منهم للبلاد عليك أن تبحث عما فعله أثناء فترة حكمه، وما أدت إليه سياساته. وعليك أن تبذل هذا المجهود بنفسك ـ فلم يقدم أي منهم كشف حساب عن فترة حكمه ـ ودائمًا ما يلوم كل منهم من سبقه في الحكم، والظروف السياسية، والمعارضة، والعالم كله الذي يتآمر على حكام مصر وحدها، على ما يحدث أثناء حكمه، فالكل ملام، إلا الحاكم!


ورغم عدم تولي أي من الحالمين بالتغيير السلطة رسميًا في البلاد، إلا أننا لا يمكننا إنكار أنهم كانوا الحاكمين الفعليين للبلاد في الفترة من 28 يناير وحتى 11 فبراير 2011، وهي الفترة التي هرب فيها الحكام، والمؤسسات التي يديرونها من تحمل مسئوليتهم، ولم يؤدوا دورهم؛ إما جبنًا أو محاولة لعقاب شعب تمرد على فسادهم! وتبقى النتيجة في النهاية، أن الحالمين بالتغيير هم الذين تقدموا الصفوف مؤدين هذا الدور حين هرب الجميع! قاموا بدورهم كتفًا بكتف مع شعبهم الذي حلم معهم بوطن مختلف فأصبح الشعب لأول مرة طرفًا في الحكم وصنع القرار، فحكم الثوار بشعبهم، بدلًا من أن يحكموه، وإذا أردنا أن نقدم كشف حساب عن تلك الفترة، ففي صباح 12 فبراير 2011:


ـ كان كل المصريين محملين بالأمل، يسعون لأداء واجبهم وعملهم، يبتسمون في وجه بعضهم البعض، ويحاولون تقديم يد المساعدة لبعضهم البعض.


ـ ورغم هروب المؤسسات الأمنية من أداء أدوارها، وتورط قياداتها ـ سواء بالفعل أو بالفشل ـ في فتح السجون للمجرمين لتسود البلاد حالة من الانفلات الأمني، ورغم محاولات ـ شاركت فيها مؤسسات إعلامية مختلفة ـ لإلقاء الرعب في قلوب المواطنين، إلا أن المصريين دافعوا عن بلادهم بأنفسهم، ونجحوا في السيطرة على الوضع الأمني، وانخفضت معدلات الجريمة عن أيام تواجد المؤسسات الأمنية الرسمية، قبل وبعد تلك الأيام.


ـ تحمس عدد كبير من الشباب لبناء وطن جديد، وبدأوا بأنفسهم، فكان من الطبيعي أن تجد شباب حيك يشاركون في تنظيف شوارعه، وطلاء أرصفته؛ فأصبحت شوارع مصر نظيفة بشكل لم تقدمه مؤسسات الدولة لمواطنيها من قبل.


ـ أظهر المواطنون التزامًا بالنظام، فصاروا ينظمون صفوفهم بأنفسهم للحصول على الخدمات، وبعد أن كان استخدام كافة الوسائل للحصول على خدمة في حالة الزحام؛ من الرشوة للتدافع للاحتيال، وغيرها من الوسائل التي تمكنك من أخذ حق غيرك، أصبح "الطابور" أداة المصريين للحفاظ على النظام والحقوق ولو كانت أبسطها.


ـ انخفضت معدلات الفساد والانتهاكات، بعد أن عرف كل مسئول حكومي أنه معرض للمسائلة وخاضع للرقابة الشعبية.


ـ أصبحت بلادنا محل أنظار العالم كله، وتناولت كافة وسائل الإعلام في انبهار ثورة المصريين، وتسابق زعماء، ورؤساء حكومات الدول الكبرى، إلى إظهار الاحترام للشعب المصري، وظهر ذلك واضحًا في الحفاوة التي كان يُقابل بها المصريون في الخارج.


ـ الاحتفاء بثورة المصريين كان بمثابة حملة دعاية مجانية للسياحة؛ شاركت فيها كل وسائل الإعلام الدولية، والمسئولون الرسميون في معظم دول العالم.. فبالإضافة إلى المعالم التاريخية التي يقصدها السائح، أصبحت ميادين مصر قِبلة للسياح، وأصبح لدينا حاضر يمكننا أن نفخر به بجانب تاريخنا أيضًا.


ـ أصبح للجميع الحق في التعبير عن وجهة نظره، حتى من يعلنون عداءهم للثورة، أصبح لهم الحق ـ لأول مرة ـ في التعبير عن رأيهم بحرية دون الخوف من بطش حاكم، أو ظلم صاحب سطوة.


ـ أصبح المصريون مسئولون عن إدارة شئون حياتهم اليومية، وما يستتبعه ذلك من انفراجة ديمقراطية طبيعية نتيجة توسيع دائرة صنع القرار.


ـ أصبح المناخ الاستثماري في مصر جاذبًا، بعد أن ظن المستثمرون أن النظام الذي يحمي الفساد، المهدد لاستثماراتهم قد رحل! وليس أدل على ذلك من سعي دول ومستثمرين كبار دخول السوق المصري، ومن أهم تلك المشروعات، مشروع إنشاء أكبر مزرعة طاقة شمسية في العالم بالصحراء الغربية، الذي قدمه عدد من المستثمرين الألمان للمجلس العسكري بعد 11 فبراير بفترة قصيرة؛ وهو واحد من مشروعات كبرى كثيرة قدمها المستثمرون للبلاد خلال تلك الفترة، وبعد تجاهل المؤسسات الرسمية للمشروع أكثر من عام، سعت الجزائر للحصول عليه ونجحت في ذلك!


ـ شهدت بلدنا لأول مرة في تاريخها، حاكم يترك الحكم غير محمول على الأعناق لمثواه الأخير، وعرفنا للمرة الأولى مصطلح الرئيس السابق أو المخلوع أو المعزول، وأصبح لدينا حاكم خارج السلطة، وخارج القبر في ذات الوقت، وهي ظاهرة لم تتكرر في مصر من قبل.


ـ والأهم من كل ذلك أن من حكموا البلاد في تلك الأيام كانوا ـ ومازالوا ـ الوحيدون الذين حكموا البلاد ـ ولو لم يكن حكمًا رسميًا ـ وقدموا التضحيات خلال فترة حكمهم، ودفعوا من دمائهم ثمن حلمهم بوطن عادل بدلًا من أن يتعاملوا مع البلاد باعتبارها ملكهم الخاص، الذي يحق لهم استنزاف موارده لمصالحهم الخاصة.


إلا أن المستفيدين من الفساد والاستبداد، نجحوا بعد رحيل مبارك في إقناع الأغلبية، أن الأوان قد آن لتسليم البلاد لمن يمتلكون الخبرة، ولهم السيطرة على المؤسسات الرسمية ـ التي لم ينكر أحد فسادها ـ من أجل الاستقرار! ودافع عن هذا الاختيار أغلبية كانت ترى أملًا في استقرار وتغيير تدريجي، بدلًا من محاولة جادة وجذرية لتغيير قواعد النظام بحيث تعمل لصالح الشعب لا الحاكم.


وبعد خمس سنوات، ظن في بدايتها كثيرون أنهم يختارون الاستقرار ـ حتى ولو كان ذلك بتعطيل حلم وطن حر وعادل لبعض الوقت ـ وطالبوا بتسليم الأمور للحكماء وأصحاب الخبرة؛ أصبح على كل من أيد اختيار ما ظنه استقرارًا، أن يسأل نفسه بعد أن يراجع ضميره: هل نجح الحكماء في الحفاظ على المكاسب التي انتزعها لهم الثوار؟ والأهم؛ هل استقرت البلاد؟!