عزيزي الكادح.. هل صبحت على وطنك بجنيه؟

عزيزي الكادح.. هل صبحت على وطنك بجنيه؟

صفوان محمد

صفوان محمد

05 أبريل 2016

أثناء عبوري الشارع، كانت رائحة أكوام القمامة على الجانب الآخر من الرصيف تُزكم الأنوف، تأملت رغمًا عني تلال القمامة التي تفوح منها تلك الروائح الكريهة، استوقني قليلًا مرورنا حولها وأحيانًا من فوقها، وكأن أقدامنا تطأ حديقة خضراء غناء، لم تتغير ملامح وجوهنا أثناء المرور عليها؛ من الواضح أننا اعتدنا على هذه المناظر وألِفنا مظهرها القميء..


وسط القمامة، كان هناك رجل كهل، رث الثياب، وبجانبه طفلة لم تتجاوز الخمسة أعوام، التقط الرجل الكهل من أحد أكوام القمامة لعبة نصف متهالكة، وظل يمسحها بيداه وفي ثيابه، حتى انتقلت القاذورات الموجودة حول اللعبة إلى ثيابه، لتزيدها اتساخًا على اتساخها.. ناول الطفلة اللعبة، التقتطها وعلامات البهجة والفرحة بادية على ملامح وجهها الصغير، أمسك بيدها، وباتت تحمل اللعبة بيد واليد الأخرى ممسكة بيد أبيها، ثم قبل طفلته الصغيرة في صمت وسارا في الطريق..

مضيت أنا الآخر في طريقي، أحمل بين ضلوعي تعب المسافات، انتابتني حالة من الحنق والحزن الشديدين، لم أقوى على إعتراض طريق الرجل الكهل لأسأله عن ما الذي دفعه للبحث عن لُعبة متهالكة وسط أكوام القمامة، بالقطع منعت نفسي من سؤاله؛ لأنه سيكون من العبث والسخافة أن أسأله عن هؤلاء الأوغاد الذين لم يوفروا له الحد الأدنى من العيشة الآدمية، وأرغموه على فعل تلك الأشياء التي توقع في نفوسنا الحزن والألم..

مشهد هذا الأب وهو يقبل طفلته الصغيرة يعكس مدى إنسانيته وحبه لطفلته، ويعكس أيضًا مدى البؤس الذي وصلنا إليه، برغم أنه لا يمتلك من حُطام الدنيا سوى لعبة محطمة وقذرة مُلقاه وسط القمامة من أجل أن يهديها لطفلته، ورغم ما تحمله هذه اللعبة من فيروسات قد تؤدي إلى الأمراض، لكن جهله وفقره أنساه أي شيء سوى إسعاد صغيرته. 

وحدهم الفقراء في مصر من يدفعون الثمن، سيظلوا ضحايا المؤتمرات والمشاريع الإقتصادية التي تضخ الأموال والثروات في جيوب أعداد قليلة من التغمة الإقتصادية المسيطرة على مقدرات وخيرات البلاد من رجال الأعمال، بتخفيض الضرائب لهم، وإصدار القوانين التي تخدم مصالحهم وحدهم، والمضي قدمًا في في تبني سياسات إقتصادية تخدم رجال الرأسمالية المتوحشة. وبتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن السلع الضرورية؛ ما يعني رفع أسعار الخدمات والسلع وأسعارالطاقة والتي لا تؤثر إلا على الأغلبية الساحقة من الفقراء الذين قهرهم الفقر وأضناهم الهم يومًا بعد يوم، لتزيدهم معاناة على معاناتهم وفقرًا على فقرهم وبؤسًا فوق بؤسهم. 

منذ عهد المخلوع مبارك حتى هذه اللحظة، تغيرت الحكومات وتعاقب الرؤساء، ولم نرى أبدًا أى جديد يُذكر بخصوص قضية العدالة الاجتماعية، التي كانت ومازالت أحد مطالب ثورة يناير الرئيسية، ولنا في أموال المخلوع مبارك المهربة خير مثال، فبرغم تأكيد محكمة النقض الحكم الصادر في حق المخلوع، ونجليه علاء وجمال، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة اختلاس أموال عامة، والتي عُرفت إعلاميًا بقضية "قصور الرئاسة، والتي يقدر حجم الأموال المهربة من مصر بنحو 132 مليار دولار، وبعد أن عادت للساحة هذه القضية من جديد و كشفت "وثائق بنما" المُسربة أمس الأول، عن عمليات تهرب من الضرائب، وفضحت امتلاك علاء مبارك لشركة "بان وورلد" للإستثمارات، وتورط آل مبارك في قضايا غسيل أموال، برغم كل ذلك لم ولن تُحرك تلك الوثائق ساكنًا في الدولة، وستتجاهله كما تجاهلت الأمر منذ بدايته؛ لأن دولة الجنرال منشغلة فقط بفرض الجباية على الفقراء والمعدومين، ولا تلتفت إلى الفسدة المفسدين.

اتخذ الجنرال شعار تحيا مصر، ودائمًا ما يردده ثلاث مرات، تحيا لمن أيها الجنرال وتحيا بمن؟ إن شعبك يحيا ويموت وهو غارق في الديون والقروض، هل تحيا بتلك الملايين من المصريين وهم قابعون في فقر مدقع ولا يملكون قوت يومهم، هل تعلم أن الفقر هو المذلة وانعدام الكرامة، تُطالبهم أن يقفوا خلف الدولة، وليس لديك أدني مشكلة أن يجوع، كما قلت أثناء مؤتمر شرم الشيخ "مش هناكل مناكولش هنجوع إيه يعني نجوع"..

لا غضاضة لديك أن يتم مص دمائهم وتُستنزف مرتباتهم الزهيدة للغاية التي تكون حصيلة شقائهم طوال الشهر، عن طريق دفع فواتير الكهرباء والغاز، وعلاجهم من الأمراض التي استشرت داخل أجسادهم المُنهكة، ناهيك عن ارتفاع الأسعار الفاحش الذي طال السلع الأساسية قبل الكماليات، متجاهلًا أن عرشك مهدد أمام غضبة الكادحين، لكنك بدون مواربة تخشى بأس الأغنياء، تقدم لهم التنازلات تلو الامتيازات؛ ولم لا فهم يعتبرون أنفسهم أقوى من الدولة، من القانون، وليقينهم أنه لن يجرؤ أحد على محاسبتهم إذا أخطأوا، لن يلتفت لهم أحدًا من الأساس؛ لإنشغال نظامك بحراسة كرسي السلطة..

نعلم أنك لا تبالي غضب الكادحين، لم يستوعب نظامك بعد أن رصيدك قد أوشك على النفاذ، وأنه فاض الكيل بالناس ولم يعد يتحمل أي أعباء جديدة، فقد صار شعبك على الحديدة، وافترس الفقر والمرض والفساد السواد الأعظم من المصريين، تحيا مصر في المؤتمرات والمنتديات الإقتصادية ويموت أهلها مرضًا في المستشفيات الحكومية، تحيا مصر في خطاباتك داخل الساحات الدولية ويموت أهلها جوعًا في شوارعها وأحيائها الشعبية.. تحيا مصر ويموت شعبها. 


أحمد مطر.. قصيدة  "مرسوم" 

نحن لسنا فقراء.. بلغت ثروتنا مليون فقر

و غدا الفقر لدى أمثالنا.. و صفا جديدا للثراء

وحده الفقر لدينا.. كان أغنى الأغنياء

بيتنا كان عراء.. والشبابيك هواء قارس

و السقف ماء

فشكونا أمرنا عند ولي الأمر.. فأغتم

ونادى الخبراء وجميع الوزراء

وأقيمت ندوة واسعة.. نوقش فيها وضع إير لندا

وأنفا لجيو كندا.. وفساتين اميلدا

وقضايا هونو لولو.. وبطولات جيوش الحلفاء

ثم بعد الأخذ والرد.. صباحًا ومساءً

أصدر الحاكم مرسومًا.. بإلغاء الشتاء