خدعوك فقالوا.. الثورة ربيع عربي !

خدعوك فقالوا.. الثورة ربيع عربي !

صفوان محمد

صفوان محمد

04 أكتوبر 2016

لم يكن من هؤلاء الواقعين تحت سيطرة الإعلام المهيمن على عقول وقلوب المصريين، ولم يكن أيضًا من الجيل الذي نظر للثورة على أنها مؤامرة مدفوعة من أيادي خارجية، وتم استغلال الشباب الذي وقع بدوره في فخ إسقاط الدولة لسذاجته واندفاعه.. بل من من هؤلاء الشباب الذين كانوا متواجدين في الشوارع والميادين أثناء الثورة، دافع عن حلم كان يراه قريبًا، آمن به وصدقه قولًا وعملًا، لم يتخل يومًا عن الثورة ولا عن دماء شهدائها، حتى هذه اللحظة، لكنه لم يعد كما كان من ذي قبل، غلبه اليأس والقنوط، نتيجة لما آلت إليه الأوضاع من تدني وتردي على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولسان حاله الآن يقول وكأن ثورة لم تقم، وذهب لأكثر من ذلك وأنكر عليها سمة الثورة من الأساس.


كيف لها أن تكون ثورة ويحكمها الآن جنرال لا يعرف سوى لغة القمع والقتل، قابع في سجونه عشرات الآلاف من المعتقلين. مثله من كثيرين ممن أيدوا أو قاموا بالثورات، بعد أن أنجزت في مرحلتها الأولى، وراح ضحيتها آلاف الشهداء، وبعد ذلك دخلت في مرحلة انتقالية اتسمت بالفوضى واللا يقين، ينتقلون إلى مواقع التشاؤم أو حتى التأسف لتأييد ثورة يناير المجيدة، هذه الصورة النمطية أصبحت بحاجة إلى تصحيح لئلا تظلم الثورة وشهداؤها، وتُخفى إنجازاتها وأمجادها ووعودها المستقبلية.

إنها تركة ثقيلة من الاستبداد والتبعية للخارج اقتصاديًا وسياسيًا، وفساد ارتفع إلى أفدح مستوياته منذ أكثر من ستين عاما، تعاقبت الأنظمة والحكومات على مصر منذ تلك الفترة حتى ثورة يناير، وخلفت ورائها تلال من الأمراض التي استوطنت هذا الشعب، احتلت مصر من خلالها أعلي نسبة في العالم في السرطان والبلهارسيا وشلل الأطفال والتلوث، و20% من الشعب المصري أصابه الفشل الكلوي، و13 مليون مرضوا بأمراض الكبد، شعب قابع تحت خط الفقر، ومتوسط دخل الفرد فيه 6 جنيهات، تخطت نسبة الأمية 53%.

لذلك كله فإن ما فعلته الثورة حين أطاحت بالمخلوع مبارك، يمثل انتقالاً ثوريًا هائلًا على مستوى الانتقال الإيجابي من الوضع السابق، وذلك بالرغم مما يحمله من مخاطر وسلبيات، ربما لأمد غير قصير من السنين، لكن التغيير الذي رفع صخرة هائلة كانت تربض على صدور الشعب وقواه الحية، يمثل بداية جديدة لتطلعات شعب يرد عيش وحرية وعدالة إنسانية.

في كتابه "تجارب ست ثورات سياسية" يحدثنا الكاتب منير شفيق، عن أن الثورة ليست ربيع عربي كما يصوره البعض، فالثورة شكل من أشكال الحرب - كما يصفها - والثورة صراع يتولد عنه مآسي وكوارث إنسانية، فكيف تكون ربيعًا. وكذلك الحال في مرحلتها الانتقالية. ولكن حين يسقط وصف الربيع عن الثورة فلا ينبغي لأحد أن يستخدم ذلك حجة لإسقاط صفة الثورة من حيث أتى، عن الثورة.

يقول "شفيق" ثمة مشترك عام في الثورات المنتصرة يتمثل فى عبورها بفترة انتقالية شديدة التعقيد. فبعضها يغرق فى الفوضى لسنوات عدة، وبعضها يدخل بحروب أهلية في مواجهة ثورة مضادة إقليمية وخارجية، وأكثرها يصبح الوضع بعدها من ناحية الأمن أو من جهة المستوى المعيشي، أسوأ مما كان عليه الحال في المرحلة السابقة.

وهنالك مراحل انتقالية أسفرت عن مجاعات وفتن، فالحالات الانتقالية التي نشأت بعد الثورات الأمريكية والفرنسية والروسية كانت شديدة القسوة من ناحية الأوضاع الإنسانية أو الحروب الداخلية، أو الارتباك السياسي.. إذن فالمشترك هو نُدرة الانتقال بعد الثورة إلى مرحلة آمنة، سلسة ومزدهرة اقتصاديًا.

ينتقل بنا الكاتب إلى مرحلة ثانية يوضح فيها ما يمكن أن يحدث في المرحلة الانتقالية، وما قد تحمله من فوضى وصراعات أو حروب أهلية، أو تدخل خارجي.. فيقول يجب أن يفصل عن الحكم الأساس الأول للثورة، بمعنى أنه لا يجوز أن يُلجأ إليه ليقال أية ثورة هذه؟ أو ما هذه الثورة؟ أو ينكر عليها سِمة الثورة العظيمة والمجيدة، وذلك مهما كان المآل حتى لو تغلبت عليها الثورة المضادة أو انحرفت عن أهداف قامت من أجل تحقيقها، وإلا لما بقي في التاريخ ثورة تقريبًا.

إن المشترك العام الذي يشير إلى ما تواجهه أغلب الثورات، عادة، إن لم يكن كلها، من مراحل انتقالية تتسم بالفوضى والانقسامات والفتن والحروب، وحروب التدخل، يُظهر كم كان وصف "الربيع العربي" لما حدث من ثورات عربية عام 2011 وصفًا لا علاقة له بمعرفة أو قراءة موضوعية، وإنما ذهب إلى وصف وهمي، متخيل غير مطابق. فالثورة - أية ثورة - لا يمكن أن توصف بالربيع حتى من خلال "فنان سُريالي"، وكذلك حال الفترة الانتقالية. وهذا ينطبق على الوصف الذي أطلقه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، زورًا ونفاقًا، على ثورتي تونس ومصر، وقد راح يتهاوى أمام الذي تشهده المرحلة الانتقالية من عواصف وصراعات وتعقيد، فإذًا نحن لسنا أمام مرج أخضر وأزهار ناعمة ونسائم علياء.

أما البعد الثالث المنهجي الذي يجب امتلاك الوعي فيه، هو التعامل مع الظروف الراهنة ومعطياتها باعتبارها متحركة ومتغيرة. ومن ثم لا نحكم على المستقبل والمآلات من خلالها، كذلك ألا نندفع إلى استنتاجات قائمة على أساس ثباتها وديمومتها. فالوضع دخل مع هذه الثورات والمتغيرات التي حصلت في موازين القوى الداخلية والعربية والإقليمية والعالمية في حالة حراك هائل. فقد طويا أو أخذت تطوى، ما كان يسمى بمراحل عهود الركود أو الحراك البطيء.