عندما تنتقم الدولة الفاشية من خصومها

عندما تنتقم الدولة الفاشية من خصومها

صفوان محمد

صفوان محمد

15 يوليو 2016

(1) 

مالك عدلي 

حينما يكون الوطن أسير وهم وزعم الحفاظ على الاستقرار، حينما تضيع الحقوق، وتُستباح الدماء وتُنتهك الحُرمات، ويتفشى الظلم والطغيان؛ ينتشر داخل هذا الوطن الواقع تحت سيطرة إعلام "جوبلز" ، مقولات وتصريحات يعلو فيها صوت الباطل على الحق، ويقف فيها الحق أسيفًا مغتربًا و وحيدًا.. 

عندما تصبح المطلقات نسبية، والثوابت وجهات نظر، من يحب بلاده ويحركه ضميره؛ يصبح خائنًا منبوذًا، والظالم الفاشي مسموعًا محبوبًا، الشرفاء المخلصين في السجون مقيدين، والقتلة الفاسدين المُفسدين أحرار منعمين..


عندما يتجرأ أحد بأن يجهر بما يهمس به الكثيرون، وأن يُسقط الألبسة والأقنعة التي يرتديها زبانية نظام فاشي لا يعي لغة سوى لغة القتل والقمع، نظام فرط في أرضه، وهو من ظل دومًا يسوق للجماهير ويروج لها بأن قوته وشرعيته مستمدة من حفاظه على أرض الوطن من الأعداء. 

عندما يريد أحد تفكيك دولة الاستبداد والتخلص من سلطويتها، وأن يقف بصلابة لكل من يريد أن يجرنا إليها لصالح هيمنة أجهزتها الأمنية التي تقمع معارضيها، ونخبها البيروقراطية المنبطحة، والشبكات الأخطبوطية الواسعة من المصالح والنفوذ التي يقف ورائها رجال أعمال أصحاب رؤوس الأموال.. يكون مكانه الطبيعي زنزانة انفرادية مساحتها لا تتعدى متران في ثلاثة أمتار، أن يكون معزولًا عن العالم الخارجي، وأن يُمنع عنه كل شيء وأي شيء، حتي التريض ورؤية الشمس لسويعات قليلة، بل دقائق معدودة، خارج تلك المقبرة المسماة زورًا زنزانة ممنوعة عنه.

ما يعانيه مالك عدلي من تنكيل واضطهاد يمثل التجسيد الحرفي لانتقام نظام عبد الفتاح السيسى لكل ما يمثل ثورة يناير؛ لأنه تجرأ وظهر على بعض الفضائيات، وتحدث من كونه محامي، بقوة وصلابة عن قضية تيران وصنافير مؤكدًا بالحُجج والقوانين والوثائق التاريخية، والدماء التي سالت عليهما أنهما مصريتان، وأعلن عن جمع توكيلات لإبطال تلك الإتفاقية، لأنه تحدث عن كم الانتهاكات التي تعرض لها رفقائه داخل المعتقلات. 

لأنه دافع داخل أروقة المحاكم عن الشباب المقبوض عليهم، وترافع في قضايا مقتل مواطنين على يد الشرطة، وأحداث استاد الدفاع الجوي، والاتحادية.. لأنه كشف ملامح الدولة الفاشية، فضح سلطويتها ومحاربتها للثورة والديموقراطية المعاصرة، لذلك كان من الطبيعي أن يتم التنكيل به ويتم وضعه في غياهب السجون، ويُتهم بمحاولة قلب نظام الحكم وتغيير الدستور، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة عملها والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وليس آخرًا ترويج الإشاعات بالقول والكتابة لهدم مؤسسات الدولة. للدرجة التي جعلت نيابة شبرا الخيمة تنظر جلسة استئناف لمالك عدلي، على الرغم من عدم تقدم هيئة دفاعه بطلب استئناف، وأن يحضر عدد من محاميه جلسته التي لم يستأنف عليها بمحض الصدفة.. إنه العجب العجاب.!!

 

(2)

"لا تتركونا في السجون وتنسونا، ولا تجعلونا نفقد الأمل في العدل والإنسانية".

هذه رسالة مختصرة من آية حجازي، رسالة صادقة وعفوية تمثل معاناة المعتقلين وما يتعرضوا له، صرخة موجهة لنا، تكشف حقيقة تقصيرنا وعجزنا الكتابة عنهم وتذكرهم بشكل مستمر، رسالة آية تعبر عن كل مظلوم قابع في غياهب السجون أيًا كان توجهه.

تُعبر عن (علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر، عن محمد عادل وأحمد دومة، عن ماهينور المصري وسناء سيف، عن يوسف شعبان وإسماعيل الإسكندراني، عن لؤي القهوجي وزيزو عبده، عن أحمد سعيد وطاهر مختار، عن المستشار الخضيري وهيثم محمدين، عن فرقة أطفال الشوارع وحسام أبو البخاري، عن عمرو نوهان وصهيب وأحمد سعيد، عن محمود طمطم ومصطفي الشيخ، عن محمد حسانين وكريم العطار، عن عمرو بدر ومحمود السقا.. القوس مفتوح"..

تُعبر عن المعتقل المجهول الذي يدفع الثمن من حريته في صمت، عن كل معتقل إسلامي مسجون ظلم، عن المعتقل الليبرالي أو العلماني والاشتراكي.. تحدثوا عن المعتقلين، ولا تجعلوهم يفقدوا الأمل في العدل والإنسانية. 

 

(3)

قال الشاعر قديما "وما الزمان في حال سكون.. ولكنه مستجمع لوثوب".. لذلك يخطيء من يرى في تاريخ مصر فترات هدوء وسكون، فهذا يمثل خداعًا للعقل والنظر، فتاريخ مصر كنيلها يسير في شكل فيضانات متتالية لا تتوقف، فتبدو فترات ما بين الفيضانات كأنها لحظات السكون الأبدية.