المعنى الأعمق لتطبيع الإمارات وإسرائيل.. هل بدأ خروج أمريكا من المنطقة؟

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

16:30 22 أغسطس 2020

منذ وقت طويل، كانت الولايات المتحدة تحث حلفاءها العرب على تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، لذا فإن الإعلان الإماراتي الأخير للتطبيع هو أمر إيجابي بشدة للإدارة الأمريكية.

 

لكن، وبعيدا عن ذلك، هناك سبب يراه المحللون مهما يقف خلف هذا التطور، وهو أنه رد فعل من أبوظبي وتل أبيب على المنهج الأمريكي المتصاعد والقائم على التخفف من أعباء المنطقة، للتفرغ لملفات أكثر خطوة لواشنطن، وأبرزها العلاقات مع الصين وروسيا.

 

وربما كان السبب الظاهري لقرار أبوظبي هو عقد صفقة تمنح بموجبها تل أبيب الاعتراف بدلاً من الضم، بحيث تمتنع إسرائيل عن ضم أي أراضي في الضفة الغربية مقابل تطبيع العلاقات مع الإمارات.

 

لا تعزيز للمواقف

 

لكن الاتفاقية لم تعزز أيًا من الطرفين بشكل كبير، كما كان يمكن أن تفعل في الأوقات السابقة، حيث يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" تحديات داخلية خطيرة، لا سيما فيما يتعلق بتعامل حكومته مع وباء "كورونا"، كما أن لديه التزامات تجاه شركائه في التحالف الذين يعتقدون أن الضم سيكون خطأ.

 

كان من الصعب على "نتنياهو" المضي قدمًا في عملية الضم على أية حال، وبالتالي فإن الموافقة على عدم القيام بما قد لا يستطيع القيام به مقابل اعتراف دولة عربية أخرى مكسب له.

 

أما الإمارات فقد دأبت على بناء علاقات أفضل مع إسرائيل منذ سنوات، وتم إبقاء ذلك في السر، لكنه كان معروفًا في الحقيقة، وعلاوة على ذلك، كان من الواضح جدًا أن الإماراتيين لم يستاؤوا من معرفة الناس بما يخططون له، طالما احتفظوا ببعض الإنكار القابل للتصديق.

 

والآن لنعد إلى السؤال المهم.. ما هو البعد الآخر للقرار الإماراتي-الإسرائيلي؟

 

ارتباط جديد

 

يقول "كينيث بولاك"، الخبير في الأمن القومي والشؤون العسكرية والخليج العربي، إن السبب الأعمق لهذه الخطوة في هذا التوقيت يكمن في رغبة واشنطن في فك ارتباطها بالشرق الأوسط، حيث بدأ هذا في عهد الرئيس السابق "باراك أوباما"، وكان حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يبغضون هذا الاتجاه، وكانوا يأملون أن يكون هذا مجرد شذوذ، وهكذا تطلعوا إلى رحيل "أوباما" من البيت الأبيض على أمل عودة الرئيس المقبل إلى نهج أمريكا التقليدي في المنطقة.

 

لكنهم أصيبوا بخيبة أمل عميقة من إدارة "ترامب"، التي عمقت هذا السلوك في كثير من الأحيان بطريقة غير منتظمة وغير متوقعة وحتى خطيرة.

 

أصيب حلفاء أمريكا في الخليج بالقلق الشديد عندما رفضت واشنطن الرد على الهجمات العسكرية الإيرانية الجريئة والمتكررة على ناقلات النفط الإماراتية والسعودية في صيف عام 2019، أو حتى على هجوم الطائرات المسيرة الإيرانية على مصنع معالجة النفط السعودي في بقيق.

 

كان هذا تراجعًا واضحا عن السياسة الأمريكية التي استمرت 40 عامًا، وعن الالتزام بالشراكة الأمريكية الخليجية وأمن الدول الخليجية، حيث تخلى "ترامب" عن كل ذلك دون تفكير.

 

في غضون ذلك، أشادت حكومة "نتنياهو" بقرار "ترامب" الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، لكنها أصيبت بالإحباط بسبب عدم اهتمامه بصد الاعتداءات الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة.

 

مواجهة التهديدات دون أمريكا

 

وتخوض إسرائيل حرب استنزاف متنامية مع إيران عبر سوريا والعراق، اللتين تبني طهران فيهما بنية تحتية عسكرية وتعمل على ربطهما في جبهة موحدة بالإضافة إلى لبنان الذي يسيطر عليه "حزب الله".

 

وهكذا، ناشد الإسرائيليون واشنطن مرارًا وتكرارًا أن تفعل المزيد لمساعدتهم في التعامل مع إيران دون جدوى.

 

وتعتبر إيران هي التهديد الأكثر أهمية، ولكنها ليست التهديد الوحيد المشترك الذي يجمع إسرائيل والإمارات، حيث يتخذ كلاهما حذره أيضًا من العديد من الجماعات الإسلامية السنية؛ من تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى "القاعدة" و"الإخوان المسلمون".

 

وترى الإمارات وإسرائيل أن هذه التهديدات تتزايد مع تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة دون ترك حكومات عربية قوية ومستقرة وراءها لمنع هذه القوى من الاستفادة من رحيل الأمريكيين.

 

ويعلق "بولاك"، في تحليل نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية قائلا: قد يبدو هذا الخبر سارًا للأمريكيين، فقد انسحبت الولايات المتحدة من المنطقة لمعالجة عدد من المشكلات التي تهدد مصالحها وأجبر فك الارتباط اثنين من حلفائها الإقليميين على التصالح كما أرادت دائمًا.

 

ويضيف: قد يكون هذا صحيحًا، لكن لنتذكر أن هذا هو الشرق الأوسط، وأن السيناريو الأفضل نادرًا ما يتحقق، وفي هذه الحالة، هناك عدد من الجوانب السلبية المهمة جدًا.

 

ويشير "بولاك" إلى أن إسرائيل والإمارات لا تمتلكان نفس القدرات التي تتمتع بها الولايات المتحدة، كما أن إيران لا تردعها قدراتهما ولا تقلق من الدخول في قتال معهما مثلما تفعل مع الولايات المتحدة.

 

تراجعت إيران إلى حد كبير بعد اغتيال "قاسم سليماني" لأنها لا تريد حربًا أوسع مع الولايات المتحدة، ولم تتراجع عن الهجمات على الإمارات والسعودية العام الماضي لأنها لم تشعر بالتهديد من القدرات العسكرية الإماراتية.

 

غالبًا ما يبالغ حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون في رد فعلهم تجاه التهديدات، فيما يعود جزئيًا لأنهم يفتقرون إلى قدرات الولايات المتحدة، أو لأنهم أصغر حجمًا وأقرب إلى إيران، أو لأن قدراتهم الاستخباراتية أكثر محدودية.

 

إيران والإخوان

 

وقد انتهجت كل من إسرائيل والإمارات باستمرار شكلاً عدوانيًا للغاية من الردع ضد إيران ونهجًا أكثر عدوانية لمحاربة الجماعات الإسلامية (سواء كانت حماس أو الإخوان).

 

كما كانت أبوظبي وتل أبيب على استعداد تام لشن حملات سرية وهجمات إلكترونية ضد خصومهما. يؤدي كل ذلك إلى ردود أفعال أكثر عنفًا، مما يعزز خطر عدم الاستقرار.

 

وهكذا، تهدف الاتفاقية في الواقع إلى تعميق الروابط بين إسرائيل والإمارات من أجل زيادة التعاون معًا لمحاربة إيران، ثم مختلف الجماعات الإسلامية.

 

ويخلص "كينيث بولاك" إلى أن دلالات التاريخ الحديث تقول إنه يجب أن نتوقع من هذا التحالف الناشئ تصعيدا أكبر مع إيران والخصوم الآخرين، مما يزيد من خطر التصعيد، واحتمال أن تنجرف الولايات المتحدة مرة أخرى في حرب أوسع.

اعلان