
ميراث الفشل !

مدحت نافع
25 يناير 2018
فى بلادنا لا يزول الفشل بزوال صاحبه، ولا يكون مصيبة رجل واحد أو جماعة من البشر، بل هو ميراث تليد ينتقل بانتظام من جيل إلى جيل. يجد الفشل موطئاً وموطناً فى مؤسسات عدة بالدولة، يأبى الفاشل إلا أن ينقل حكمة متراكمة من الإخفاق إلى خليفته فى العمل وزميله الجديد، ويجد من سائر الزملاء عوناً على مأسسة الفشل والإخفاق بصورة منتظمة لا نظير لها فى أى مكان!
فالمؤسسة الفاشلة التى لا ينكر أحد فشلها ولم يعد بمقدور أفرادها مواراة سوءاتها وتغطية خسائرها لا تضمحل بمرور الزمن لأنها تجد دائماً من يغذّى أسباب التراجع فيها. إذا أراد محدث أن يغير شيئاً يحسبه عبئاً وسبباً فى الخسائر وجد ألف معارض لا على سبيل المقاومة الداخلية المعهودة إبان أى تغيير، ولكن من قبيل النصح الفاسد والتواصى بالباطل! فصاحب النصيحة ليس بالضرورة عرضة لأى ضرر محتمل نتيجة التغيير أو التحديث المزمع من صاحبنا الوارد الجديد، لكنه ينصحه باستمرار نصيحة من لا مأرب له ولا مصلحة ظاهرة بأن يتبع العرف السائد دون أدنى تغيير! نصائح من عينة: لا تحرّك حجراً من مكانه قد يقع على قدميك.. انتبه إلى نشاطك وكن حذراً ولا تطمح.. دع كل شئ كما وجدته أنت لست نداً لهؤلاء... ثم يأتى موعد الصلاة فيرفعون أكف الضراعة إلى الله أن يغيّر ما بهم من فشل، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
التواصى بالباطل ليس حكراً على الكبار للصغار بل هو فى كل اتجاه يأتيك من حيث لا تنتظر، يأتيك لإثنائك عن قول الحق أو إتيانه أو العمل مخلصاً لوجه الله، يأتيك فأدنى ما يصيبك منه هو الضيق والقلق والريبة، يأتيك ناهياً عن خلق قويم وإصلاح ذات بين وعمارة الأرض ! فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً.
هذا الميراث المتراكم من الفشل، يجب أن نعترف به أولاً ونعرف أسبابه، ثم يجب أن نعلى من قيمة كل ما هو صالح ونحاول حصار هذا الفشل وعزل الفاشلين إن عز صلاحهم. وقديماً قال الإمام علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه: الحق حق فى ذاته لا لقول الناس فيه.. وقال ما مفاده: يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، وإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا يعرفون الحق بالرجال..
فإذا رأيت ذا مال وجاه وحسب يقول باطلاً فلا تتبعه، وإن رأيت الرجل مطعوناً فى أصله وفصله يقول الحق فاتبع ما قال إن استقر فى يقينك أنه حق لا لبس فيه.
رجاء من الشباب الذين يدخلون معترك العمل العام لأول مرة، لا تساوم على ضميرك، ولا تقبل غير الحق سبيلاً، ولا تلتمس العزة فى معصية الله ومخالفة الفطرة السليمة. ورجاء من الآباء الذين يعدّون النشء فى كل مكان فى البيت والمدرسة والجامعة وفى محل العمل أن يتقوا الله فى آماناتهم، وأن يعلموا أن تواصيهم بالباطل وبمهادنة الغش وتعزيز الفشل والفساد، يتخطى أثره السلبى جرائم السرقة والاختلاس بل والقتل! لأن فساد المجتمع متى صار لازمة من لوازم التطور المؤسسى (فى مختلف المؤسسات) أصبح محمّلاً بأسباب فنائه ودماره المحتم. إذا كنت تستصغر وصية توصيها لرجل أن يترك أمر الحق أو أن يتوسّط فيه أو أن يأتى الباطل لأن فيه السلامة، أو أن ينافق حتى يعلو مركزاً ومقاماً..فمثلك مثل الشيطان الذى يأمر بالفحشاء، يقول تعالى فى كتابه العزيز: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا".
ورب سائل ما سبب الخلط بين الفشل والفساد والمعاصى بينما الأول قد يكون عن غير قصد، والرد موكول إلى مفتتح المقال ومتنه، فما آخذه على المخفقين الفاشلين فى معرض الحديث هو حرصهم على توارثه وانتقاله ومأسسته وأنهم لا يستترون. ورب قائل ما بال النصح بالنفاق يؤتى ثماراً فى الدنيا فليس ثمة فشل ظاهر، وهذا أقول له بل هو خاسر فاشل خسر نفسه وسمعته وذكره الذى أراد رفعته وهو بعد موعود فى الآخرة بالدرك الأسفل من النار.
الفشل الفردى والمؤسسى لا يرجى إصلاحه أبدأ إذا لم تتوافر عناصر الكشف عنه وفضحه وإصغاره وأن يجد المصلحون العون والمساعدة من الدولة ومن البيت لكى تتغير البلاد إلى الأفضل.