
بدائل التعامل مع أزمة المياه في مصر

مدحت نافع
01 مارس 2018تواجه مصر أزمة حقيقية في وفرة المياه الصالحة للشرب. تعتمد مصر بنسبة تزيد عن ٩٢٪ من مواردها المائية على مياه نهر النيل، والتى تنبع من خارج أراضيها، بما يزيد من مخاطر التعرّض لنقص حصتنا السنوية. حالياً تحصل مصر على نحو ٥٦ مليار متر مكعب سنوياً من النيل، فضلاً عن بعض المصادر الأخرى التي تصل بها حصة مصر السنوية من المياه السطحية والجوفية إلى نحو ٦٠مليار متر مكعب، لكن استخداماتنا الفعلية من المياه الصالحة للشرب تصل سنوياً إلى ٨٠ مليار متر مكعب ما يجعلنا ثاني أكفأ دولة في العالم في إعادة الاستخدام !
الفجوة بين المتاح والمستخدم من الموارد المائية تتسع مع الزيادة السكانية التي وصل بها نصيب الفرد من المياه إلى أدنى مستوياته تاريخياً، ما يجعلنا على حافة خط الفقر المائي، وربما تحت هذا الخط وفقاً لبعض التقديرات.
بدائل الخروج من الأزمة تكاد تنحصر في محاولة الترشيد في الاستهلاك وخاصة الاستهلاك الزراعى الذي يحصل على نصيب الأسد من الاستخدام الفعلي للمياه، بالإضافة إلى تعظيم الاستفادة من كافة مصادر المياه داخل الدولة ومنها بناء السدود لتحويل مخرات السيول من أزمة إلى مورد، فضلاً عن البحث في بدائل إعادة استخدام المياه من خلال تكنولوچيا التحلية.
حالياً يبلغ إجمالي ما يقوم العالم بتحليته من مياه ٣٠ مليار متر مكعب بينما تقوم السعودية وحدها بإنتاج٣ مليار متر مكعب وتأتى في المركز الأول عالمياً مستهلكة نحو ٨٠٪ من إنتاجها النفطي في توفير الطاقة اللازمة لتكنولوچيا التحلية كثيفة استهلاك الطاقة.
تكنولوچيا التحلية بدورها ليست سواء، فهناك طرق حرارية لتحلية المياه تمثّل نسبة الاستعادة فيهامن٤٠-٦٠٪ recovery ratio من كمية المياه المدخلة في العملية، كذلك هى تكنولوچيا كثيفة جداً في استخدام الطاقة، بينما طرق التحلية باستخدام ما يعرف بالأغشية membranes تستخدم طاقة أقل وتزيد بها نسبة الاستعادة، غير أن انتشار الطرق الحرارية مرجعه الأساس عملية توليد الطاقة التي تتم باستخدام المياه في منتصف عملية التحلية. مازالت تكنولوچيا التحلية تواجه مشكلات خاصة بالطاقة وأخرى متعلقة بالتلوث الذي تسببه طرق التخلص من الأملاح المترسبة خلال العملية، والتي عادة ما تكون بإعادة إلقاء الأملاح في مياه البحر وهى شديدة الملوحة لدرجة تخل بالتوازن البيئي.
لكن أبرز تحديات هذا النوع من التكنولوچيا يكمن في بدائل التمويل ومصادره. وإذا كانت بنوك الاستثمار العالمية قد رصدت نحو ١٠٠ مليار دولار خلال مؤتمر المناخ COP21 بغرض تمويل أنشطة تحسين المناخ وتخفيض الانبعاثات الكربونية وسائر احتياجات الحفاظ على الموارد المائية.. فإن أحداً ام يتقدم بمنتج مالي يحظى بالجدوى لتمويل تلك الأنشطة في مصر! أو حتى أنشطة توليد الطاقة من الشمس والرياح. أحداً لم يخرج بمنتج مثل السندات الخضراء من أجل تعبئة الاستثمارات اللازمة لأى من تلك المشروعات.
الأولوية في مصر تكمن وفقاً لعلمائنا في الخارج في تحلية مياه الصرف التى تقدّر بنحو ٥ مليارات متر مكعب سنوياً أى نحو ٢٥٪ من حجم الفجوة المائية الحالية والآخذة في الاتساع.
الأزمة يمكن ردها بشكل كبير إلى احتياجات الطاقة والحروب المناظرة وفقاً للنظرة المتشائمة ستكون حروباً على مصادر الطاقة إذا لزم الأمر وليس حرباً على المياه، لأنه متى توافرت الطاقة الرخيصة فإن أزمة المياه تكون في طريقها إلى الحل كما بيّنت في مقالات سابقة.
المخاطر تتقدم بوتيرة أسرع مما تصورها العالم كله، والتعاون البشرى من أجل تحسين طرق توليد الطاقة المتجددة وترشيد استهلاك المياه أقرب للحدوث من نشوب حروب عبثية لن ينتصر فيها أحد. بعض الأبحاث ترصد مناطق كثيرة لاحتدام الصراع على المياه لأسباب متعلقة بترسيم الحدود واتفاقات الحصص المائية، ندعو الله أن تخيب الظنون.
على المشرع المصرى أن يتحرك سريعاً للإعداد للأدوات التمويلية المناسبة، وعلى بنوك الاستثمار المصرية أن تدرك أن تحركها في هذا الاتجاه يفوق التزامها بالمسئولية الاجتماعية ويصل إلى مستوى توفير أسباب مباشرة لبقائها.