الإصلاحات السعودية والرياضات السويسرية

الإصلاحات السعودية والرياضات السويسرية "زيورخ نموذجًا" (3)

ثابت عيد

ثابت عيد

16 مايو 2017

 

٤ - مِهْرَجَانُ رِمَايَةِ الصِّبْيَانِ

Knabenschiessen

الفائزة بمسابقة رماية الصّبيان سنة ٢٠١١م

 

يُقَامُ مِهْرَجَانُ رِمَايَةِ الصِّبْيَانِ في مَدِينَةِ زيورخَ مُنذُ أربعمائةِ عامٍ! كَانَ الهدفُ الأصليُّ مِنهُ تدريبَ الصِّبيانِ عَلَى فَنِّ الرِّمَايَةِ. وَكَانَ الفائزُ يحصلُ عَلَى «مِيدَاليةِ زيورخَ الفضّيّةِ». Zürichtaler معَ الوقتِ سُمِحَ للبَناتِ بالمشاركةِ في هَذا المهرجانِ. ومنذُ ذلكَ الوقتِ يتنافسُ الصِّبيانُ والبناتُ معًا بدايةً مِنْ سِنِّ ٣١ حتى ٧١ عامًا، وذلكَ للفوزِ بتاجِ ملكِ أو ملكةِ الرِّمايةِ. ويقامُ هذا المهرجانُ في عطلةِ نهايةِ الأسبوعِ الثَّاني منْ سبتمبرَ كلّ عامٍ.

 

٥- السِّبَاحَةُ فِي زُيورِخَ

بالرَّغمِ مِنْ أنّ زيورخَ ليستْ مدينةَ البندقيَّةِ الايطاليَّةَ السَّابحةَ فِي الماءِ، إِلَّا أنّها تقعُ على بُحيرةٍ خَلّابةٍ وأكثرَ من نهرٍ هاديءٍ. صحيحٌ أنّ زيورخَ لا تمتلكُ شَواطيءَ خلّابةً، مثلَ شَاطيءِ الكوباكابانا في ريو دي جانيرو، أوْ شَاطيءِ الشّمسِ (كوستا ديل سول) في الأندلسِ، وصحيحٌ أنَّها لا تطلُّ على بحارٍ أو محيطاتٍ كتلكَ الَّتِي ألهمتْ إيليا أبا ماضي، فكتبَ يقولُ في قصيدتِهِ الخالدةِ عَنِ البَحْرِ:

 

«قَد سألتُ السّحبَ في الآفاقِ هل تذكرُ رملَك

وَسألتُ الشّـــجرَ الـمـورقَ هلْ يعـــرفُ فضلَك

وَسـألتُ الـدّرَ في الأعنـاقِ هَل تذكــرُ أصـــلَك

وكأني خِلتُها قَالتْ جَميــــعًا: لســــــتُ أدري!

يرقــصُ الـموجُ وفي قــاعِك حــــربٌ لنْ تَزولا

تَخلقُ الأسمــاكَ لكــنْ تخلقُ الحـــوتَ الأكـولا

قَد جمعتَ الموتَ في صدرِك والعيشَ الجـميلا

ليتَ شعري أنتَ مهدٌ أم ضريحٌ، لستُ أدري»!

 

وَبالرَّغمِ من ذلكَ فبحيرةُ زيورخَ لا تقلُّ روعةً وجمالًا عَنْ شَواطيءِ البحارِ والمحيطاتِ.

 

تعودُ عراقةُ السِّباحةِ في زيورخَ إلى القرونِ الوسطى. في نهايةِ القرنِ التَّاسعَ عشرَ كانَ هناكَ عشرُ منشآتٍ للاستحمامِ والسّباحةِ في بحيرةِ زيورخَ ونهرِ اللِّيماتِ. أمّا اليومَ، فتمتلكُ زيورخُ ٧١ مسبحًا مدرسيًّا، و٧ مسابحَ مغطّاةٍ، و٧ مسابحَ مكشوفةٍ، و٥ مسابحَ نهريَّةٍ، و٦ مسابحَ على البحيرةِ.

 

بفضلِ اختراعِ المسابحِ المغطّاةِ أصبحَ من الممكنِ معايشةُ الصّيفِ شتاءً! ففي الشّتاءِ يستطيعُ سكّانُ زيورخَ الذّهابَ إلى أحدِ المسابحِ السّبعةِ المغطّاةِ المملوكةِ للمدينةِ والاستمتاعِ بالماءِ الدّافيءِ وممارسةَ رياضةِ السّباحةِ. تقدّمُ هذه المسابحُ خدماتٍ أخرى غيرَ السّباحةِ، مثلَ التّدليكِ، والسّونا، والسّولاريومِ والتّمريناتِ الرّياضيّةِ داخلَ المسبحِ.

 

في الصّيفِ يستمتعُ سُكَّانُ زيورخَ بالسِّباحَةِ والاستجمامِ في المسابحِ الصّيفيّةِ (٨١ مسبحًا) التي تمتلكُها المدينةُ على البحيرةِ ونهرِ اللِّيمَاتِ، حيثُ تتحوّلُ هَذِهِ المسَابحُ الصّيفيّةُ إلى بلاچاتٍ تشبهُ بلاچاتٍ البحرِ الأبيضِ المتوسّطِ.

 

أهمُّ مسابقةِ سباحةٍ محلّيّةٍ في زيورخَ هِيَ «سباحةُ اللِّيماتِ» الَّتِي أُقيمتْ سنةَ ٠٠٠٢م للمرّةِ الواحدةِ والأربعينَ. تُعقدُ هذه المسابقةُ في نهايةِ شهرِ أغسطسَ من كلّ عامٍ، ويُشاركُ فيها حوالي ثلاثةِ آلافٍ منْ سكّانِ زيورخَ، يسبحونَ لمسافةِ كيلومترينِ.

 

ثاني أهمِّ مسابقةِ سباحةٍ على المستوى المحلّيِّ في زيورخَ هَيَ مسابقةُ «عُبورِ البحيرةِ»، وَهي مسابقةٌ تُقامُ منذُ سنةِ ٧٨٩١م، ويبلغُ طولُها ٠٥٤١ مترًا، ويشاركُ فيها سنويًّا حوالي ثلاثةِ آلافِ مواطنٍ.

 

٦- الرِّيَاضَةُ الْجَامِعِيَّةُ

المسؤولُ عَنِ الرِّياضةِ الجامعيَّةِ في مدينةِ زيورخَ هُوَ «اتِّحادُ الرِّياضةِ الأكاديميُّ في زيورخَ»  Akademischer Sportverband Zürich . أعضاءُ هذا الاتّحادِ هُمْ: طلبةُ جامعتي زيورخَ والعاملونَ فيهما، والأكاديميّونَ السّابقونَ، وموظّفو المستشفى الجامعيِّ، وطلبةُ المدرسةِ العليا التّخصّصيّةِ في زيورخَ، وأزواجُ أو زوجاتُ أو رفقاءُ أو رفيقاتُ الأعضاءِ.

 

رياضة السّبيننج في جامعة زيورخ الفيدراليّة، وهي التّدريب على الدّرّاجات الثّابتة بسرعة عالية على إيقاع الموسيقى الصّاخبة

 

شِعَارُ هذا الاتّحادِ الأكاديميِّ هُوَ: «الرّياضةُ للعقلِ والجسمِ والرّوحِ». وَهُوَ شعارٌ جميلٌ قرّرَ المسؤولونَ تسويقَهُ باللّغةِ الإنجليزيّةِ وليسَ بالألمانيّةِ: “For Brain, Body and Soul“

 

فالرِّياضةُ يعتبرُها أهلُ زيورخَ نشاطًا هامًّا في حياتِهم، حيثُ يرونَ أنّ الحركةَ والإيقاعَ واللّعبَ ينبغي أن تؤدِّي إلى السَّعادةِ والسُّرورِ. والرّياضةُ عمومًا هِيَ جهدٌ مبذولٌ يجني مَن يمارسُه ثمارَه المتمثّلةَ في صحّةِ الجسمِ والعقلِ والرّوحِ. فبدونِ جسمٍ قويٍّ لا يمكنُ للإنسانِ أن يفكِّرَ أو يُنتجَ أو يعملَ بكفاءةٍ.

 

يمتلكُ «اتّحادُ الرّياضةِ الأكاديميُّ» في زيورخَ أربعَ منشآتٍ رياضيّةٍ حديثةٍ جِدًّا تحتوي على صالاتٍ وأجهزةٍ رياضيّةٍ مختلفةٍ. هَذه المنشآتُ الرّياضيّةُ موجودةٌ في المبنى الرّئيسيِّ للجامعةِ الفيدراليّةِ للعلومِ التّكنولوجيّةِ، وفي منطقةِ إيرخلَ، ومنطقةِ فلونترنَ، وأخيرًا في منطقةِ هونجربرجَ.

 

بجانبِ رئيسِ هذا الاتّحادِ والموظّفينَ المساعدينَ وعمّالِ النّظافةِ والبوّابينَ، يُشرفُ على النّشاطِ الرِّياضيِّ الجامعيِّ فريقٌ صغيرٌ ولكنّهُ رهيبٌ في مؤهّلاتِهِ وإمكانيّاتِهِ. فهوَ يتكوّنُ مِنْ ٢١ خبيرًا رياضيًا يمثّلونَ الكوادرَ العليا في الاتّحادِ ويشرِفونَ على التّخطيطِ والتّنفيذِ والمتابعةِ.

 

أمّا المدرّبونَ والمدرّباتُ، فيبلغُ عددُهم ٠٠٦ مدرّبٍ ومدرّبةٍ! وقد يزولُ العجبُ من هذا العددِ الهائلِ، إذا عرفنَا أنّ هؤلاءِ المدرّبينَ متخصّصونَ في أكثر من ثمانين رياضةً مختلفةً! أفليسَ هَذا شيئًا مثيرًا للإعجابِ والاحترامِ والتّقديرِ؟

 

ممارسة التّمرينات الرّياضيّة في صالة الرّياضة الجامعيّة في زيورخ

 

لعلَّ أهمَّ مَا ينبغي الإشارةُ إليهِ هُنَا هُوَ أنّ الرّياضةَ الجامعيَّةَ ليستْ إجباريَّةً. فَعَلَى هَذا المستَوى الأكاديميِّ الرّفيعِ يُفترضُ وجودُ وَعيٍ كَافٍ يجعلُ كُلَّ أكاديميٍّ مسؤولًا عن موقفِهِ من الرّياضةِ والصِّحَّةِ. صحيحٌ أنّ هناكَ فئةً لا تمارسُ الرِّياضَةَ بانتظامٍ، ولكنّ الإحصاءاتِ تقولُ إنّ أكثرَ من ٠٦٪ من طلبةِ جامعتي زيورخَ (حوالي ١٣ ألفَ طالبٍ)، وأكثرَ من خمسةِ آلافِ أكاديميٍّ يمارسونَ الرّياضةَ في المنشآتِ الجامعيّةِ بانتظامٍ. وقد سجّلتِ الإحصائياتُ ٠٠٧ ألفِ زيارةٍ سنويّةٍ لهذه المنشآتِ، وهوَ رقمٌ هائلٌ إذا ما قُورنَ بالأعدادِ الصّغيرةِ لأعضاءِ هذا الاتّحادِ الأكاديميِّ.

يَتميّزُ برنامجُ الرّياضةِ الجامعيّةِ بالتّنوُّعِ، حيثُ يمكنُ للمرءِ أن يختارَ الرّياضةَ الَّتِي تناسِبُهُ من بيَن أكثر من ثمانين نوعًا مختلفًا من أنواعِ الرّياضَةِ.

 

تمرينات السّويديّ في صالة التّدريبات الجامعيّة في جامعة زيورخ الفيدراليّة

 

شَخصيًا أنا معجبٌ جِدًّا برياضةِ اللِّياقةِ البدنيَّةِ (التَّمريناتِ السّويديّةِ) الّتي تُقَامُ يوميًّا فِي الصَّالاتِ الدَّاخليَّةِ عَلَى إيقاعِ الموسيقى المناسبةِ. وهيَ تمريناتٌ عنيفةٌ يستفيدُ منها الجسمُ استفادةً كبيرةً. أُمارسُ هذه التمريناتِ في زيورخَ منذُ نحوِ عشرينَ عامًا. وَبجانبِ ذلكَ هناكَ رياضةُ الجري في الغابةِ لمسافاتٍ مختلفةٍ. وهي رياضةٌ مفيدةٌ جدًّا لأنّها تجمعُ بينَ الحركةِ من ناحيةٍ، واستنشاقِ الاكسجينِ النّقيِّ والاستمتاعِ بجمالِ الطّبيعةِ من ناحيةٍ أخري. تعوّدتُ أن أجري في غاباتِ زيورخَ مسافةَ عشرةِ كيلومتراتٍ يوميًّا في أيامِ الصَّيفِ والرَّبيعِ.

 

بصفةٍ عامّةٍ الرّياضةُ الجامعيّةُ في زيورخَ لا نظير لها على مستوى العالمِ: فالمدرّبونَ ذُوو كفاءةٍ عاليةٍ جدًّا، والمنشآتُ الرّياضيّةُ ممتازةٌ، والبرنامجُ اليوميُّ فريدٌ ومتنوّعٌ وشاملٌ. ومن المنطقيِّ أن يكونَ عائدُ كلِّ هذِهِ الجهودِ الجبّارةِ هَائِلًا ضخمًا. فالغالبيّةُ العظمَى مِنَ الأكاديميّينَ فِي زيورخَ تتمّتعُ بصحّةٍ جيّدةٍ، ولياقةٍ بدنيّةٍ عَاليةٍ، ممّا يؤدِّي بدورِه إلى إنتاجِيَّةٍ مرتفعةٍ. ولنقارنْ مَثَلًا بينَ هَذه الصّورةِ الزّاهيةِ في زيورخَ، وبينَ الصُّورةِ القَاتمةِ في إحدى دولِنَا العربيّةِ حيثُ تقولُ الأرقامُ إنّ هناكَ حوالي ٢١ مليونَ مواطنٍ مصابٍ بفيروسِ الكبدِ، وهو فيروسُ يسبّبُ التَّعبَ والإرهاقَ لحامليهِ. وهذا يعني حرمانَ المجتمعِ من الطّاقةِ الكاملةِ لـ ٢١ مليونَ شخصٍ. فكيفَ ينهضُ المجتمعُ، ويتطورُ، وينمو، إذا كانَ المواطنُ العاديُّ مريضًا؟

 

تقديرًا لدورِ الرِّياضةِ فِي الحفاظِ عَلَى صِحَّةِ الشَّعبِ، يقومُ القطاعُ الخاصُّ في مدينةِ زيورخَ بتقديمِ دعمٍ ماليٍّ كبيرٍ إلى «اتّحادِ الرّياضةِ الأكاديميِّ فِي زيورخَ». يشاركُ في هذا الدّعمِ: بنكُ كريدت سويس، وشركةُ أديداس للملابسِ الرّياضيّةِ، وجريدةُ التاجز آنتسيجر، وشركةُ التَّأمينِ السّويسريّةِ  Swiss Re، إلخ.