لا إنترنت حيادي ولا مواقع تواصل محايدة!

لا إنترنت حيادي ولا مواقع تواصل محايدة!

مها عمر

مها عمر

05 يناير 2018

 

العالم ليس مكانا عادلا. هذه قصة قديمة، لكن هناك من يجعلونه أسوأ مكان غير عادل على الأرض، وهذه أيضا قصة قديمة. ما الجديد إذن؟

 

بينما ينفر الدم فيوجه جندي صهيوني عكر المزاج لأن فتاة شقراء من قرية بني صالح صفعته قبل أن يشرب قهوته صباحا وهو ذاهب ليقتل مجموعة من الصبية اللاهين في الشوارع، تسعى إدارة عملاق السوشيال ميديا "فيس بوك" للاعتراف الرسمي بأنها باتت تأخذ أوامرها من الإدارة الأمريكية بزعامة ترامب!

 

هذا في الحقيقة ليس كلاما مرسلا وإنما هو تصريح رسمي أطلقه أحد المتحدثين الرسميين باسم فيس بوك لنيويورك تايمز.

 

في وقت سابق في سبتمبر/أيلول الماضي، اجتمع مجموعة من ممثلي إدارة فيس بوك مع وزيرة العدل الشابة المتعجرفة إيليت شاكيد، أكثر الوجوه شبابا وعلمانية في حزبها الديني، والتي تعرضت لانتقادات عديدة كونها "خطيرة" كما وصفها أحد الصحفيين والنشطاء الصهاينة لأنها "تحاول تقويض ديمقراطية الدولة للتركيز على يهودية الأمة وهو أمر يضر بإسرائيل".

 

أما فيما يخصنا فشاكيد عنصرية ككل الصهاينة، ولكن الفارق بينها وبين غيرها هي أنها عنصرية وهي وزيرة للعدل، وتدير الأمور على طريقة "هذه طريقتي وهذه قواعدي"!

 

في وقت سابق وصفت شاكيد في أثناء الحرب على غزة عام 2014 الأطفال في قطاع غزة بأنهم أفاع صغيرة، السيدة شاكيد حين واجهها أحد الصحفيين بهذا التصريح ارتبكت لكنها لم تنكره ولم تتخل عن قباحته وما نم منه عن عنصرية بغيضة لكنها قالت فقط "لقد كان تصريحا خارج السياق وقد تمت إزالته". أما فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي ففي اجتماع عام 2016 بممثلي الفيس بوك فقد خيرتهم إما أن يغلقوا حسابات الفيس بوك الفلسطينية التي ترى إسرائيل أنها "تحريضية" أو أن تضربهم بغرامة مالية مؤلمة، أو أن تعمل على سن قوانين تحظر الفيس بوك في البلاد.

 

هل امتثلت إدارة الفيس بوك؟ بل ربما رحبت بإرضاء المزاج الصهيوني، فحذفت حسابات أكثر من عشرة مؤسسات فلسطينية مهمة، وكانت الإدارة الإسرائيلية قد قدمت 158 طلبا من أجل إغلاق حسابات تظنها تحريضية على فيس بوك وامتثلت الإدارة لـ 95% حسبما جاء في موقع الانترسبت.

 

المفارقة المضحكة المبكية، ليست في أن التحريض على العرب والفلسطينيين مطلق من قبل متحدثي العبرية على الإنترنت، ولا حتى إن الصهاينة في حرب غزة عام 2014 وصلت بهم الوقاحة للتحريض على الطلاب العرب في الجامعات العبرية، من خلال نشر صورهم ومعلومات شخصية عنهم بل إن المفارقة تكمن في دراسة نشرتها الانترسبت تؤكد أن العرب هم المتعرضون رقم 1 للتعبيرات العنصرية ولخطاب الكراهية، وأن 96% من الفلسطينيين أكدوا أنهم يدخلون على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل متابعة الأخبار!

 

من الآن فصاعدا لن تكون مواقع التواصل الاجتماعي محايدة بل لن يكون الإنترنت كله محايد وهو أمر يمكن أن أفرد له صفحات عن معركة حيادية الإنترنت في أمريكا التي جرت ولازالت تجري، ولكننا أمام دولة تدعي بأنها شرطية العالم، ولكنها تطبق قواعدها المؤدلجة.

 

يكفي عزيزي القارىء أن تعرف أن المستبد رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان قد تمت إزالة جميع حساباته من الانستجرام والفيس بوك وتويتر، وهو رجل ذو حكم شمولي، ومستبد ومعروف عنه وحشيته في التعامل مع المثليين والمتحولين جنسيا، بينما مستبد آخر كخليفة شافيز وهو نيكولاس مادورو ما زال يحتفظ بحساباته على فيس بوك. المهم المزاج العكر سيطال من؟

 

التساؤل الذي أريد أن أطرحه كما طرحه جرينوالد كاتب مقال الانترسبت في النهاية، هو هل لو أن أي دولة أخرى ولتكن المكسيك أو تشيلي أو بوليفيا، أو حتى إيران قدمت طلبا لممثلي إدارة فيس بوك لإغلاق حسابات بعض الصحفيين الأمريكيين الذين يستخدمون حسابات خطابات التحريض والعنف والعنصرية ويوزعونها كيفما شاؤوا. هل تجرؤ إدارة فيس بوك على إغلاقها؟