ريم بنا.. الخلود كما ينبغي أن يكون

ريم بنا.. الخلود كما ينبغي أن يكون

مها عمر

مها عمر

29 مارس 2018

 

حين يصيبني حزن شديد أو يأس شديد يتوقف قلمي تمامًا، رغم أن الحزن أحيانا يخرس قلمي على الكلام. لكن رحيل ريم بنا كان شديد الوطأة على قلمي. وكأن رضوى ترحل من جديد.

 

كان صباحًا حزينًا بدأ الناس فيه على صفحات الفيس بمشاركة ريم لحديثها عن نوباتها وما كتبته عن الموت وعن مشاهده في مخيلتها، عن مسعفتها مشعثة شعر الحواجب ذات الأنف الكبيرة، وهي تقول لها يا ريم انظري في عيني. ورغبة ريم في قضم أنفها. ضحكت ولكني تذكرت أن صاحبة تلك الروح الجميلة تحت التراب فبكيت.

 

عصر السادية الذي نعيشه بكل ما فيه من قبح وقرف يدفعك دفعًا إلى اليأس، يجعلني أقرب لليأس، أقرب إلى التقوقع على ذاتي. الهزيمة كالموت تبدو في الوقت الراهن أكثر حتمية من الموت نفسه.

 

القاهرة تسرق منك كل تعاطف، حتى بعد ليلة المطر الطويلة الماضية، لا تثير فيك سوى الحزن والتعاسة. لكني أعود فأتذكر وجه ريم، عينيها ورأسها المدور الجميل الذي واجهت به العالم بلا خجل. واجهت الانفصال، والوحدة، والاحتلال في بلدها، واجهت أكاذيب بعض الناس ونهشهم لها، واجهت حقد شبيحة الأسد المجرم القاتل، تمسكت بقضيتها بكل إيجابية، مسحت بكرامة الحزن أرض حياتها، فلونت حياتنا.

 

لازلت أقول إن التفاؤل موهبة رهيبة لمن يملكها، وشجاعة يُحسد عليها المقبلون عليه. أتذكر تفاؤل رضوى، وكيف أنها رأت أن التشاؤم فعل لا أخلاقي. لكنه قول أحبه ولا أستطيع أن أجاريه. فاليأس يا ريم ويا رضوى جزء من دورة الحياة على كؤوسنا، ورؤوسنا.

 

أعيد سماع كل أغاني ريم، وخاصة أثر الفراشة وأحكي للعالم. أرى وجه ريم في الشوارع، وفي هاتفي فأبتسم دون قصد. هناك وجوه تحرضك على الابتسام والبهجة.

 

عشر ألبومات غنائية تركتها ريم لنا، فيها مزج بين التراث الفلسطيني والتراث العربي بأسلوب عصري جميل وصوت فتي. ريم لحنت لدرويش وراشد الحسين وابن الفارض وبدر شاكر السياب، وكانت أيقونة في إنهاك المرض كما أنهكها.

 

الغزالة البيضاء، كما وصفتها أمها الشاعرة زهيرة الصباغ، التي غنت أيضا من أشعارها، رحلت وتركت ثوب السقام، وارتاحت لكنها تركت للناس ولأولادها وعائلتها ابتسامتها وتراثًا من الأغاني ومواقف نبيلة لا غبار عليها، ولا يساومها فيها أحد.

 

الكلمات تبدو وكأنها تميل للتقليدية في وداع امرأة ليست تقليدية. الوداع ثقيل، ويذكرني بالموت الذي لم يغب عن خيالي لحظة، ويعلقني بالأمل، ويحرضني على الصبر. أمل في أن تتحسن الأحوال ولو بعد الأهوال. أمل يتحول إلى فرض كالصلاة في وقتها. أمل يغريني أحيانا بالحياة، بالحياة في المطلق. وأحيانا أعتبره مسكن جيد للحزن حين يستبد بي وبرأسي ويمنعني عن الاستمتاع بأي شيء.

 

محبتي لكِ يا ريم، أنكِ تشبهيننا، بكل ما فينا، بروح الطيبة وخفة ظلك، ومرحك، ومعاناتك وابتسامتك البهية. الناصرة تزره اليوم وردة فوق جسدك، وخلودا فوق صوتك يا ريم. أنت هنا، نحن نحب أن نصدق ذلك. نحب وسنفعل.