مأزق الشعب السوري مع التطلعات الروسية

مأزق الشعب السوري مع التطلعات الروسية

مها عمر

مها عمر

28 فبراير 2018

 

حين تكتب أول مرة عن تفاصيل الحرب في سوريا، بعد قراءة ستصيبك تفاصيلها بالغثيان عما بت أسميه بالمؤامرة الكُبرى في القرن السيليكوني الذي نعيشه، فإنك لن تتوقف. سوف ترغب في كل مرة بقراءة المزيد وكشف تراتبيات العلاقات بين الكلاب المتصارعة على جيفة السلطة وسيطرة الأوضاع.

 

المشهد الأول ربما سيكون من قاعدة حميميم، حيث أصبحت الكلمات الروسية الأكثر انتشارا بين السكان في اللاذقية القريبة، وفي حميميم نفسها، حيث صورة "أبو على بوتين" كما بات يسميه السكان، وحفلات وتكريمات مستمرة بكرم بدوي لا مثيل له للترفيه عن الجنود الروس في غربتهم وهم يقتلون الطرف الآخر من المدن والبلدات.

 

حميميم التي أسستها روسيا في سوريا عان 2015، ومضت منها الباصات الخضراء التي حملت صحفيي النظام والمهجرين قسريا، هي أحد أسرار القوة العسكرية الروسية على الأرض السورية، وسر الحسم في المعركة، وسر مقتل الأطفال السوريين منذ 2015 وحتى الآن.

 

أراد بوتين بعد أن كسب الحرب الجورجية والأوكرانية وبعد أن ضم القرم، أن تكون له اليد الطولى في الشرق الأوسط، وخاصة بعد أن أضحت سمعة القيصر الروسي العالمي بأنه البلطجي الأبيض الذي ينافسنا نحن البيض الآخرين الأرقى في سيطرتنا على المنطقة. أحلان السيطرة بدأت منذ سبعة عشرة منذ توليه السُلطة، حيث أعاد هيكلة الجيش الروسي بما يتناسب مع أغراضه، وحتى نشرت الجارديان البريطانية أن روسيا أصبحت تنفق على جيشها رقما لا تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو 81 مليار دولار وهي ميزانية الدفاع في روسيا عام 2015 حسب الجادريان.

 

وقتما كانت المعركة على الأرض تتجه لصالح الحسم في حمص وحماة وإدلب وحتى معركة الساحل، وبدء سيطرة المقاومة على معبر نصيب مع الأردن، صرح بشار الأسد أن المعركة تكاد تنفلت من الجيش الروسي النظامي بسبب نقص في العنصر البشري، رغم أن النقص في العنصر البشري الروسي لطالما كان أمرا طبيعيا بسبب عمليات التهرب من التجنيد والفساد على مدى عقود الذي جرف القدرات القتالية العسكرية للجيش وهو ما كان يُسمى بالعامية السورية "التفييش" حيث يذكر الباحث خضر خضور كيف جنى الضباط العلويين من عمليات التفييش ثرواتهم الطائلة، التي بدأت بالعسل من حماة والجبن من حمص، لكل من أراد أن يهرب من خدمة الوطن.

 

المهم تدخلت روسيا، بأقل العناصر البشرية، مؤسسة القاعدة، التي تحوي كل ما يمكن من القتل بالطائرات، طائرات سوخوي، وحاملات رؤوس نووية، وطائرات 400 التي تفتك على الأرض، وطائرات تجسس الكتروني. وأعادت روسيا حسم المعركة لصالحها، وفقدت المعارضة أكبر المعاقل المدنية لها وهي حلب عام 2016، وكتب المقاومون الذين تم تهجيرهم لاحقا على جدرانها " راجعين يا هوى ".

 

ومنذ ذلك الحين، تقود روسيا إعادة تشكيل وجه الديمغرافيا في سوريا وفق نسختها من سوريا المفيدة، والتي تختلف كما قال أحد الباحثين عن نسخة الأسد عن سوريته المفيدة. فهي تدك الأرض أولا، ثم تعرض على المساكين أصحاب الأرض تسوية بالخروج، ثم تعيد ترتيب الأوضاع وفقا لما تريده هي من مصالحات وتسويات.

 

كما كان لها دور كبير في تحويل المعارضة إلى أحجار شطرنج تقوم بلعب لعبة الاستقطاب من داخلها، وكانت ضربتها الأهم تحويل مفاوضات المعارضة حول الوضع في سوريا من عاصمة الساعات والمجوهرات الثمينة ومقر عشرات الاتفاقيات الدولية المهمة جنيف إلى الآستانة التي أسست عام 1810 م كقاعدة عسكرية روسية، وهو ما يعني أن القيصر الروسي يقول: أنا وحدي من أقود المعركة حتى في المفاوضات وفق هواي.

 

روسيا لم تشرذم المعارضة فقط، بل ساعدت على خلق الفوضى على الطريقة الإنجليزية في الهند "فرق تسد"، فكانت تشتري ولاءات الميليشيات المدعومة من أمريكا، من خلال منحها تمويلا سخيا، الأمر الذي جعلها تخلق في النهاية فيلق الشام، وتضم إليه بعض الفصائل الاسلامية الأخرى، الأمر الذي أدى إلى خلق فوضى الولاءات بين الميليشيات، ووضعها في مواجهة مباشرة مع لاعبة أخرى وهي إيران، التي لا أظن في النهاية أنهما سيظلان حليفتان.

 

روسيا لن تبقي على الأسد كموظف دائم لها في سوريا المفيدة الجديدة، وإذا كانت تريد سيطرة في سوريا كاملة، فقد تواجه إيران. الأمر المقرف هو أن مسرح الأحداث كلها أجساد هذا الشعب، الذي يدفع من حياته ودمائه، ثمن كل هذه المعارك.