التورط في سينما الواقع!

التورط في سينما الواقع!

مها عمر

مها عمر

24 يناير 2018

(1)

حين تكون كاتبا، أو متورطا بشكل أو بآخر في امتلاك أدوات التعبير عن واقعك وواقع الناس، تجد نفسك حقا في ورطة من الصعب الإفلات منها، وتجد نفسك مضطرا لأن تأخذ بجدية بعض الأمور التي لا يمكنك أن تأخذها بجدية.

 

أحد المؤرخين الكبار قال لي ذات مرة: "في مصر لا يأتي الجديد بجديد"، قالها الرجل بمرارة، وكنا في عصر التكلس المباركي الكبير. ومنذ دخول الثورة انفرط العقد الرتيب في الأمور وتبدلت كثير من الأحوال في ظاهرها إلا أنها بقيت في باطنها وفحواها على علتها. كلام ورد ثورة وثورة مضادة استقطاب واستقطاب مضاد، شتائم هنا وشتائم هناك، دولجية هنا ودولجية هناك، وتغيير في بعض الأسماء، والعالم لا يدور في فلكنا، بل في كل فلك لهفة أخرى، وشهيد قصف هنا، وشهيد جوع هناك.

 

أتت في بالي هذه الخواطر وأنا أسمع الطائرات طوال الأيام السابقة تحلق فوق المنطقة السكنية الهادئة التي أسكن بها قرب قاعة المؤتمرات، والشوارع عن آخرها برجال المخابرات والعمليات الخاصة والدبابات، والجنود الملثمين، حماية وتأمينا من أجل خطاب السيد الرئيس.

 

(2)

منذ عدة أيام ذكر الرئيس ترامب، تصريحا كالعادة أقام الدنيا ولم يقعدها، حيث ذكر أن بعض البلدان الإفريقية، بالإضافة إلى هايتي هي "أوكار قذرة" وهي الترجمة المهذبة التي استخدمتها الفرانس 24 لما قاله ترامب عن هذه الدول، التي قال إن مهاجريها لا يقدمون أي جديد للولايات المتحدة الأمريكية، داعيا المشرعين إلى إنهاء برامج حماية الهجرة لـ 60 ألف منهم وإعطائهم مهلة أقصاها يوليو 2019 ليعودوا إلى بلدانهم.

 

والحقيقة أن العالم الذي نعيش فيه عالم بائس، ولكنه أيضا ينسى، فمن دعم بينوشيه إفريقيا حسين حبري في الثمانينيات بالسلاح والعتاد؟ حبري الذي كان يضع أفواه معارضيه في عوادم سيارات متحركة، واتهمته المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب وسادية ضج 1200 من التشاديين؟ ومن قصف مصنع الشفاء في السودان عام 1998 دون دليل مؤكد، محولا حياة أكثر من 50% من المواطنين في المناطق الريفية في هذا البلد إلى جحيم لأنهم لم يجدوا علاجات كافية لأمراض وبائية أقلها الملاريا؟

 

ومن دعم نظام الفصل العنصري في الستينيات في جنوب إفريقيا، وقال إن جنوب إفريقيا هي بلد صديقة دعمتنا في كل حرب خضناها وتوفر أرضها مواد خاما مهمة لأمتنا العظيمة. ألم يكن رئيس الولايات المتحدة ريغان هو من قال هذا الكلام؟ ومن وصم منظمة العمل الوطني التي يزعمها مانديلا بالإرهاب، أليس هو ريغان أيضا؟ رغم أن مانديلا كان في السجن طوال فترة حكمه؟

 

العالم يتمتع بذاكرة بائسة كتلك التي يتمتع بها السيد ترامب!

 

(3)

عندما تكون في مجموعات الدعم النفسي وترى كيف تتعامل الأسر مع الفتيات الشابات الصغيرات، أسأل نفسي: لماذا ينجبون إذا كانت لديهم كل هذه السادية والعنف تجاه أبنائهم؟ ثم وبحكم القافية يعلو في رأسي صوت سعيد صالح: “مقضتوهاش بوس بس ليه”!

 

الإنجاب في زماننا هذا وفي ظروفنا الاقتصادية هذه وفي ظروفنا السياسية، عملية انتحارية ولا شك، فهل يجب أيضا أن تكون نتائجها كارثية هكذا؟ تحكم وأبوية، وسادية ولامبالاة وبؤس كامل!

 

أحيانا حين أسمع مع يقوم به الآباء، أقول: جيد أن هذه الفتاة بعد كل هذا لم تختر طريقا أكثر بؤسا مما تعيشه. المشكلة هي توارث البؤس، واستحضار السادية، من جيل إلى جيل دون نعي، لأننا لم نقرأ من كتالوج الحنان والاحتواء بات أسهل أن نستحضر العلقات الساخنة والكلمات الجارحة.

 

العالم مكان بائس حقا، ولكن لا يجب أن نزيده بؤسا!