
ثرثرة في السوشيال ميديا

مها عمر
06 فبراير 2018
(1)
استمرارا للخناقة القائمة على موضوع التحرش، لا أخفيكم، أنا سعيدة بها، سعادتي بصوت السيدة التي رفعت صوتها على "دكر" كان يريدها أن تخرج من طابور العملاء، ولأنها توجه انتقاداتها للموظفين الذين لا يعملون بكفاءة كما يجب، أو يعملون ولكنهم لا يتحلون بالذوق الكافي للتحدث مع العملاء.
السيدة التي كانت تتحدث مع زميلة لها جاءت معها لتخليص معاملة بنكية جعلتها تتأخر ساعتين كاملتين دون أن يحين دورها كانت تحاول أن تسأل أحد الموظفين سؤالا محددا فأحالها لآخر، وهذا الآخر قرر أنها طالما تنتقد سير دولاب العمل في البنك فهي لا تستحق أن تحظى بشرف تخليص معاملتها في موعدها.
كان الرجل يعتقد أنه إذا "شخط" بالتعبير المصري الدارج في السيدة فإنها ستسكت. وهو لا يعرف مجموعة من الحقائق الكثيرة في مصر اليوم، من بينها أن النساء لا يمكن إسكاتهن مادُمن تركن وحيدن لكي يحصلن على حقوقهن، وأن مجتمعاتنا تختع أمورا ذكورية للغاية في أغلبها، اخترعها رجال في زمن ما لإخراس امرأة واضعا درع المجتمع والناس أمامها.
أما ما قرأته في أحد منشورات نجاد البرعي، من أن المُتحرش بها إذا تحدثت فإنها يجب أن تلجأ للقضاء والطرق الشعرية التي يعرف المحامون الحقوقيون في هذا البلد أنها لم تعد مفيدة للمعتقلين كقضية بشرية وإنسانية ملحة وحرجة، بل ويلجأون هم بالضرورة إلى وسائل التواصل الاجتماعي للضغط على السلطات وهي وسيلة تنفع في أحيان ولا تنفع في كثير من الأحيان، لكن بالنسبة للمتحرش بها عليها أن تلجأ للقضاء، والقانون ينصفها أو لا ينصفها لا يهم، وإلا فإنها لن تنال شرف العمل في مؤسسات العمل المدني في مصر، وهو تصريح مثير للاشمئزاز والغثيان ومعناه ببساطة، أنك تقف تتماهى مع المستبد، في أول اختبار حقيقي لك في دوائرك!
إحداهن كتبت منشورا تحكي فيه تجربتها مع القضاء في شهادتها ضد الذين تحرشوا بها فسألها محامي المتحرش: "تقدري تقوليلي كم يد كانت في بنطلونك من الأمام وكم يد كانت في الخلف؟" والحقيقة أن السؤال والمحكمة الموقرة، كانت في هذه اللحظة تثير الاستغراب. ولا أحد يفهم ما الغرض من سؤال كهذا سوى استفزاز الضحية أو السخرية منها.
إذا كان المطلوب من المشرعين تحديد ماهية التحرش فهو أمر لا مشكلة فيه إطلاقا، ولو أراد القائمون على القانون في هذا البلد منع هذه المهزلة لمُنعت "مش هيغلبوا" فلقد وجدوا حلا لما هو أصعب منها، ولكن يبدو أن الضبابية مقصودة في هذا الأمر استمرارا للنفوذ الذكوري في المجتمع الذي لا يأسف فيه رجل على تحرش اللهم إلا في حالات معدودة.
(2)
يتمنى المرء أحيانا أن يُفنى، أن تنتهي الحكاية سريعا، حين يبدأ كل شيء بالتعكر، أمر على شوارع الإسكندرية وأرى أكواما من الأسمنت، فينقبض صدري، وأتساءل، هل اطمأن الناهبون لدوام الحال؟ هل يسري في أطراف الباطشين أي خوف من الغد؟ مشاريع طويلة عريضة بعلى الكورنيش، تضع مزيدا من أطنان الأسمنت على الكورنيش وتخفي البحر، وحين يغضب البحر لن يبقي ولن يذر، هذه ليست أمنية، بل حقيقة.
وحين تمشي في وسط البلد وتعرف أن 52 أثرا تم هدمها في الإسكندرية، وأن هناك المزيد ينتظر هذا المصير، وأن منها ما تم بيعه لمستثمرين إماراتيين وسعوديين، وأن التراكم العمراني والتاريخي الذي يصور الحضارة يختفي ويتلاشى، ينقبض صدري أكثر. لا شيء يدوم، ونبقى سائرين بين حطام وهدم في هذه المدينة لا نملك قراره، كمن يمشي بين قبور الموتى، وجثثهم، جثث طازجة وأخرى، أشبعت الدود وصارت كأنها لم تكن.