
ونحن نمنحهم قطعة من السماء

مها عمر
13 فبراير 2018
تفهم الدبلوماسية الإسرائيلية كيف تتعامل مع نظيرتها العربية، التصريحات الرسمية السعودية تنفي لكن الإسرائيلية من أول "هآرتس" وحتى "جيروزاليم بوست" تؤكد أن السلطات السعودية أعطت الإذن للطيران الهندي أن يحلق فوق الأجواء السعودية ليختصر رحلة من مومباي إلى تل أبيب كانت تستغرق ثماني ساعات إلى رحلة تستغرق ست ساعات فقط وهو ما يعني في بند الانتصارات الصغيرة التي تحققها إسرائيل في المنطقة وقودا أقل ورحلات أرخص وزبائن سعداء.
وزارة السياحة الإسرائيلية لم تنتظر نفي أو تأكيد الجانب السعودي، بل وعدت الطيران الهندي بمنح الأربع رحلات الوحيدة التي تقوم بها الهند من مومباي إلى تل أبيب بمبلغ سخي يبلغ 750 ألف يورو، للتشجيع على الخط الجديد الوليد، والتشجيع على العلاقات الدافئة.
"هآرتس" وصفت التطور الجديد في مستوى العلاقات بأنه دفء جديد يضاف إلى حزمة التطورات الأخيرة بين المملكة وإسرائيل. لم تكن على أي حال هذه التطورات وليدة اللحظة فلطالما حاولت الهند لزعامة نانديرا مودي رئيس وزرائها الدؤوب تسيير هذا الخط وتنشيطه إلا أن إسرائيل كانت تصر على الانتظار، ليس لأن الانتظار أجمل، بل لأنها تصر على الخط الأقصر صاحب التكلفة الأقل.
وعلى أي حال فإن الطيران بين البلدين لم يكن ممنوعا منعا تاما في الماضي، لكنه كان مسموحا به للرحلات الاستثنائية كتلك التي حملت جورج دبليو بوش وترامب، على الطيران العسكري الأمريكي.
وفي هذا الإطار كان لا بدَّ لهآرتس أن تقسم الرابحين والخاسرين من الصفقة الأخيرة، فكان أحد الرابحين رئيس الوزراء الهندي مودي، حيث أثبت حزبه الاشتراكي قوته الدبلوماسية في الحصول على هذا النوع من المكاسب في منطقة معقدة وصعبة ومليئة بالحروب والنزاعات كالمنطقة العربية، على الرغم من أن العلاقات الإسرائيلية الهندية ليست بدعا من الزمان، بل هي علاقات قديمة ومتميزة، فبينما أهملت المنطقة العربية الهند كمفتاح مهم لآسيا اهتمت إسرائيل بتطوير العلاقات بين البلدين، فاهتمت بصفقات السلاح بين البلدين، وأبقتها بعيدا عن أعين الإعلام الرسمي للبلدين.
أما الرابح الثاني فهو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يريد التغطية على اتهامات الفساد بالداخل التي طالته وطالت عائلته وزوجته وابنه، واستطاع الحصول على "نسخة جديدة من سماء الشرق الأوسط" على حد تعبير دوري غولد المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي لم يخفِ افتتانه بالمكسب الجديد.
جولد وصف الخطوة الجديدة بالتغيير الواضح والكبير في العلاقات بين البلد ولكن لا يمكن تسميته بالتطبيع، وحين قطب الصحفيون حوله حواجبهم غير فاهمين للفارق بين التعبيرين، تطوع جولد بشرحه على الجيروزاليم بوست قائلا: "إن كلمة التطبيع تخيفهم، لكن يمكن القول أنه تغيير واضح". الدبلوماسية الإسرائيلية تفهم إذن أن أسباب النفي الرسمي السعودي، مسألة كلمات مخيفة وتعبيرات ضخمة لا أكثر.
والجدير بالذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في زيارته الشهر الماضي للهند قد تواصل مع مديرين تنفيذيين لبوليود من أجل أن يتم تعاون بين البلدين في سبيل تصوير أفلام هندية في إسرائيل، وهو أمر يفتح شهية إسرائيل للانتشار الثقافي في الهند، ومنحته لها المملكة بعد حصار دام لأكثر من ثلاثين عاما أو أكثر كانت فيه إسرائيل محاصرة تمامًا.
وهكذا فإن إسرائيل تثبت أنها تستطيع الحصول على ما تريد تدريجيًا ودون ضجة أو صخب ودون أن تضطر لتقديم تنازلات للفلسطينيين، الذين يبدون وحدهم تمامًا في هذه القصة، بينما تمنحهم المملكة اليوم قطعة من السماء.