أصوات نساء بلادى (2)

أصوات نساء بلادى (2)

منى النمورى

منى النمورى

20 يونيو 2014

وكما تقول الأسطورة، جلست السيدات والبنات حول فناجين الشاى يحكين عن تجاربهن مع التحرش ورأيهن فى الموضوع وبدأت إحداهن الضحك حين قالت " تم تغريم متحرش مبلغ خمسة آلاف جنية لأنه قال لفتاة فى التحرير يامزة" وتعالت الضحمات والتعليقات:

أيوه كده خللى الرجالة تتأدب!

والله! طيب والبنت خدت جزء من الفلوس دى؟

يا نهار أزرق! دى كلمة مزة دى من كٌتر ما إستخدموها بقت كلمة مديح مش معاكسة!

ده معناه إن اللغة بتصنع الواقع..مش إتعلمنا كده فى البرمجة اللغوية العصبية؟

طيب ولو جوزى قال لى يا مٌزة؟ حيدفه خمسة آلاف جنية برضه؟

ده على إعتبار إن الأزواج بيقولوا حاجة أصلا؟ إنت طيبة قوى يا أختى!

هئ هئ هئ هئ (ضحك جماعى مع زغد خفيف يمين وشمال والمزيد من الشاى)

خلونا فى المهم..رأيك إيه يا مروة؟ قولى يا دكتورتنا يا فيلسوفة.بس بلاش الكلام الكبير بتاعك.خليك مع الشعب..هئ هئ هئ!

وتكلمت مروة نعيم، الدكتورة فى كلية التربية، شابة جادة تعلم اجيال، وقالت:

يزعمون أن نساء بلدنا قد صرن تتمتعن بقدر أكبر من الحرية و المساواة. و هو أمر ربما يسبب خداعاً بصرياً لمَن يلقى عليه نظرة عابرة، خاطفة دون سبر غوره و الغوص فى تفاصيله. أما المتأمل لما وراء الشعارات و الأكلاشيهات، سيكتشف أن الحقيقة تجافى ما يتشدقون به مِن مزاعم. و لأن الدلائل كثيرة و متنوعة، يكفى أن أذكر منها مقتطفات على سبيل المثال لا الحصر: - لا يمنع القانون المرأة من تقلد أرفع المناصب بالدولة، لكن ما أن يحدث ذلك فى مصلحة ما، سواء بالتعيين أو الإنتخاب، سرعان ما تواجه تلك المرأة بسيول جارفة من السخرية اللاذعة – الغير ذات موضوع فى أغلب الأحيان – تنتهى عادةً بإعلان عدد غير قليل مِن مرؤوسيها على الملأ بأنهم يرفضون أن ترأسهم (واحدة ست)! - فى بعض المجالات، تتحمل المرأة أعباء عمل تساوى ما يتحمله الرجل، و ربما تفوقه أحياناً. و هى، رغم ذلك، غير مشكورة و إن اجادت، و لا فضل لها و إن إستحقت. و دائماً و أبداً تتهم بالتقصير و تختزل جهودها و إنجازاتها للحدود الدنيا إختزالاً تعسفياً. - فى المنزل، المرأة هى حجر الأساس، و عماد الحياة. لا تقارن واجباتها و مسئولياتها إزاء البيت و الأولاد بما يقوم به الرجل على الإطلاق. و مع ذلك، فهو سيد المنزل، الآمِر الناهى دون جدال، و إن حاولت المشاركة فى صنع القرار و إتخاذه، فهى فى نظر الناس إما جريئة أكثر مِن اللازم، أو مُتسلطة بما يجاوز الحدود! لا عجب إذن، و الأمر كذلك، أن تطفح على سطح المجتمع ممارسات كالتحرش. إن أحداً لم يربى "رجال" هذا المجتمع على إحترام المرأة، و الإنصات لرأيها، و تقبُلها، و إنصافها متى أجادت. و بشهادة معظم الرجال أن نموذج (سي السيد – أمينة) هو السائد فى مجتمعنا بإمتياز، و إن تفاوتت صرامته تبعاً لتكوين الشخصية و إختلاف البيئة. كلهم (سى السيد) و كلنا (أمينة)! و إن كنت أرى أن حتى (سى السيد) كان يدرك فى قرارة نفسه قيمة (أمينة)، و تتجلى أهميتها فى حياته، و يعترف ضمنياً بحاجته إليها و إعتماده عليها وقت الجد، أما معظم "رجال" هذا الزمان ليسوا سوى نسخ (تايوانى) من (سى السيد)؛ لا يعترفون حتى بينهم و بين أنفسهم بقيمة (أمينة)! يلا .. هما هيروحوا مِن ربنا فين؟!

مروة نعيم

وكانت القهوة ضورة حتمية بعد كلام مروة والتى بعدها تحررت نجوى من خجلها ورجعت بموضوع التحرش لتجربتها الشخصية الشائعة وقالت:

بخصوص موضوع التحرش. حكايات كتيرة... بس فيه حكاية أثرت في تشكيل تفكيري! كنت في شارع بيتنا وكنت تعبانة جدا يومها .. آلام الظهر و المغص. .بجر في رجلي جر عشان ارجع البيت .. و مش دريانة باللي حولي. .. وصلت إلى البيت و لقيت واحد من اخوتي داخل ورايا. .و داخل يصرخ في .. انت ماشية و مجرجرة اثنين وراك؟... و لأني كنت بموت من الألم. .لم أستطع مخاطبته. . بعد يومين لما فقت. .جبته أمام أمي و ابي... و قلتلهم على اللي حصل و سألته ازاي يبقى شايف  اللى ماشيين ورايا ميجيش حتى يمشي معايا عشان يعرفهم اني لي راجل... انا بعذر أخي ... انا الكبيرة في اخوتي و لم اعامل إلا مثلهم في البيت.. بابا كان لا يفرق بيننا و الحمد لله.. بس الموقف ده بيوضح كم أن البنت تعتبر مذنبة حتى في أعين الأقرب اليها.

نجوى الصاوى

الحكايات كانت كئيبة، حتى الشوكلاتة  التى دارت علينا لم تفلح فى تخفيف كآبتها، لكن الصحبة الحلوة، قوة البوح وصدقه، الوجوه الحقيقية التى تجمعت حول الشاى وحول بعضنا البعض والحراك الحاصل حولنا من وعى مجتمعى ورفض  كلهم هونوا علينا بعض الشئ، وإفترقنا على وعد قريب باللقاء لنسمع أصوات نساء بلادى!