
الحلقة الثالثة من سلسلة "مصر التي في المسلسل"..
العهد.. هل الكلام مباح؟!

براء أشرف
29 يونيو 2015إذن، هذه عشر حلقات كاملة يتم عرضها من مسلسل "العهد". حتى لحظة كتابة هذه السطور.. لعلها ليست كافية لإصدار الأحكام، لكنها، بالتأكيد، كافية وتزيد، لبعض الملاحظات على العمل..
(1)
"العهد"، هو العمل الدرامي الرمضاني الثالث، الذي يجمع المؤلف "محمد أمين راضي"، مع المخرج "خالد مرعي"، والمنتج "طارق الجنايني"، مع ثبات بعض الممثلين في مواقعهم ضمن التشكيل، للعام الثالث على التوالي. وهذه في حد ذاتها، ظاهرة جديرة بالتأمل، بل والإشادة بالعمل الجماعي ككل.
سابقاً، قدم الفريق نفسه "نيران صديقة" و"السبع وصايا"، ونالا حينها إعجابًا كبيرًا من الجمهور، وإشادة من النقاد، وجدل على صفحات التواصل الاجتماعي حول الأعمال التي يسهل وصفها بـ "غير المألوفة".. وهذه أيضًا ملاحظة جديرة بما سبق من إعجاب وإشادة.
واليوم، يبدو "العهد" أكثر أهمية، خاصة، وأن الجرعة السياسية فيه أكبر من النيران والوصايا، فالموضوع الأساسي للعمل هو "السلطة"، ما بها، وما حولها.. كيف تعمل، بل وكيف تتنوع أشكالها بين دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية وأسطورية.. وهذه الأخيرة تحديداً هي جوهر الحكاية.
الأعمال الثلاثة للمؤلف "محمد أمين راضي" تجمعها الأسطورة وسلطتها. في "نيران صديقة" هناك سلطة كتاب مسحور، يكتب بالدم أحداث الماضي، ومن هنا ينال أهميته وقوته، فيستعبد مجموعة من الأصدقاء لكل منهم ماضي وخطايا.. وفي "الوصايا" جثة أب قتله أولاده تختفي، وتظهر عدة وصايا غامضة، وبعض الأحلام والرؤى، تستعبد الأبناء ومن حولهم، لحين تنفيذ الوصايا المبهمة، من أجل الوصول إلى جثة الأب وثروته.. وتنتهي الحكاية بموت عبيد الأسطورة جميعهم دون أن تظهر الجثة، ولا حتى أن يكون هناك إجابة عن سؤال أين ذهبت أصلاً.
وفي "العهد"، هناك عدة ورقات، تعود لزمن بعيد، مكتوب فيها شروط انتقال السلطة بين أبناء عائلة كبيرة، مقسمة إلى ثلاث إمارات حاكمة.. والعهد هنا يستعبد الحكام والشعوب، فما يكتب في العهد أقوى من أي شيء آخر، وهو أيضاً نصوصه مبهمة وغامضة، وقابلة للتأويل والتفسير..
سلطة الأسطورة وعبيدها، هذا جوهر حكايات المؤلف المستمر في أعماله الثلاثة. ولعل هذا (مع أسباب أخرى) ما يجعل للمسلسلات الثلاثة أهمية خاصة. فهذا الشكل، الجديد والمختلف، نجح في جذب انتباه شرائح من الجمهور، كانت قد قررت سابقاً الانصراف عن متابعة الدراما التليفزيونية ذات الأنماط المحددة المتكررة، وربما وجد البعض في أجواء "راضي" الأسطورية ما يرضيه ويعجبه.
(2)
ليست الأسطورة وحدها هي ما يربط الأعمال الثلاثة ببعضها. بل، وربما شكل البناء الدرامي أيضاً المتكرر.. دائماً هناك جثة وجريمة قتل في الحلقة الأولى. ودائماً هناك "نص" ما مكتوب، الكتاب في النيران، وصايا الأب لاحقاً، والعهد حالياً.
ودائماً، هناك هذا العدد الكبير من الشخصيات. البطولة الجماعية شيئ جميل دون شك، لكنها أيضاً، تلقي بثقلها على العمل الدرامي، بحيث تجد البناء الأساسي للأعمال كلها متشابه إلا قليل.
دائماً، المشاهد عبارة عن حوار بين شخصين، ثلاثة، أربعة، وفي كل حلقة هناك حوار جماعي بين أكثر من أربعة. الحوار مستمر، وقصير جداً، جملتين هنا، وجملتين هناك، ثم نقل مباشر لمشهد آخر.. ولعل هذا ما ساعد المخرج خالد مرعي على صياغة صورة سينمائية رائعة ومتنوعة.. ونقلات سريعة بين مشاهد هي في الأصل قصيرة. وهذا الشكل الثابت المتكرر أيضاً.. جعل المشاهد الداخلية هي الأساس. مع مشاهد خارجية قليلة للغاية.. وهذا أمر، يبدو وكأنه يصيب بالملل.
أخيراً، نحن أمام عالم له منطق خاص. كشأن الأعمال السابقة. وهذا في حد ذاته شيء جيد ويحسب للمؤلف. بل دعنا نفرق بين مسألتين أولاً.. المنطق الخاص للعالم الذي تدور فيه الأحداث.. ومنطق الدراما..
للكاتب مطلق الحرية والإبداع في أن يخلق عالمه الذي يريد.. الكتاب يكتب دم، الجثة اختفت والوصايا ظهرت، شخص يقتل بلمسة يد وأخرى تشفي المريض بلمسة أخرى، عجوز تعود من الموت، وثعابين تأتمر بأمر صاحبها.. كل هذا اسمه منطق العالم الذي ابتكره المؤلف.. لكن منطق الدراما نفسه مسألة أخرى.
كما ذكرت في مقال سابق ضمن هذه السلسلة، أن الدراما ذات هياكل محددة. بداية، وسط، نهاية. عقدة وحل، وأخشى، أن المؤلف يرد عادة على أسئلتنا حول منطق الدراما بكلام عن منطق عالمه.. فحين نسأل أين ذهبت الجثة يرد : يعني هل كانت هذه هي فقط المسألة غير المنطقية التي شغلتك؟.. العمل مليء بالأمور غير المنطقية..
عادي جداً بالمناسبة، كل الأمور غير المنطقية يمكن فهمها داخل قوانين ومنطق العالم الذي ابتكره المؤلف، ولكن عدم الوصول لنهاية، هذه مسألة تتعلق بمنطق الدراما.. ومنطق الدراما يخص الجمهور أكثر مما يخص المؤلف.
وهذا يقودنا إلى النقطة التالية : سلطة المؤلف.
(3)
نحن أمام مؤلف له "ألتراس" على منصات التواصل الاجتماعي.. فما أن يبدأ عرض العمل حتى تجد نفسك غير قادر على انتقاده أساساً. وكأن إقدامك على مشاهدته في حد ذاتها إقرار منك بأنه عمل جيد. والحكم ليس في النهاية، بل حتى قبل البداية.. الأعمال رائعة حتى قبل أن نشاهدها!!..
قبل عدة أيام، قرآت مقالاً موضوعه الأساسي هو السخرية من الذين لا يعجبهم "العهد"!. بل ويصفهم بالمشاهد "الربوت"، وهو وصف لم أفهمه حتى اللحظة..
ويبدو، أن المؤلف يعتقد، مع مجموعة الألتراس التي تدعم أعماله، أن الكلام المباح هو "حاضر ونعم وبس".. كما يقول أحد أبطال العمل. لا مجال للاعتراض أو الامتعاض!.
يحدث هذا، بينما في عالم آخر، يشكل رأي المشاهد أهمية خاصة، يكفي أن تكتب على جوجل "ردود الفعل على الحلقة الأخيرة من مسلسل جيم أوف ثرونز"، وسترى كيف اهتمت وسائل الإعلام حول العالم بما كتبه الجمهور على فيس بوك وتويتر حول الحلقة الأخيرة من المسلسل الشهير.. يحدث هذا في عالم للجمهور حقه واحترامه وأهميته.. وهذا يبدو لا يحدث في عالمنا الدرامي، وتحديداً، في حالة مؤلف العهد.
نحن أمام مؤلف يمارس سلطته على جمهوره. ويريد، لو يصل مع الجمهور إلى ذات العلاقة التي تظهر بين الأساطير والأبطال في أعماله : العبودية!.
(4)
أخيراً، المساحة التي ينطلق منها العهد، وما سبقه من أعمال لذات الفريق، قد تكون صالحة ومناسبة لتغيير نمط المشاهدة قليلاً..
بمعنى.. العهد وعالمه، صالح جداً بحيث لا يعرض في رمضان فقط. الأساطير عموماً تتميز بأن قماشتها عريضة جداً. يمكن أن تستمر طويلاً، وتمتد من جيل إلى أخر.. ويظل الجمهور مهتماً بالمشاهدة.
العهد ملائم لأن تعرض منه حلقة واحدة أسبوعياً.. كما يحدث عادة في الأعمال الدرامية التليفزيونية الغربية. وبحيث تكون الحلقة مدتها أطول قليلاً، وبتكثيف أكبر في الأحداث.. ملاحظتي الشخصية أننا لو قمنا بحذف 7 حلقات من نيران صديقة، و7 من الوصايا، و7 من العهد بعد اكتماله، فربما لن تتأثر الأحداث كثيراً.. مع أن العوالم الثلاثة أكثر ثراءً بحيث يمكن إضافة الكثير والكثير لها.
وأخيراً، هناك مساحة للعبة خطيرة جداً يمكن أن يتم لعبها داخل هذه العوالم، وهو اتصالها الدرامي ببعضها!.. يعني مثلاً.. لن أتعجب كثيراً، لو أن الكتاب الذي يكتب بالدم أحداث الماضي والذي كان بطلاً لنيران صديقة ظهر في "العهد"، أو لو أن "سيد نفيسة" نفسه ظهر، أو سمعنا حديثاً عن شيء سحري يمكن للأبطال فعله في هذا العالم الأسطوري بحيث تختفي جثثهم بعد موتهم، كما حدث مع "نفيسة".. ففي الأساطير يمكنك فعل أي شيء.. مع احترام الدراما، والجمهور طبعاً!.
(5)
هل "العهد" عمل جيد؟!.. هل "العهد" عمل سيء؟!.. إجابتي هي لا أعرف.
هذا سؤال إجابته عند الجمهور في النهاية، وربما عند النقاد أيضاً.. وما سبق ليس نقداً. بل مجرد ملاحظات من مشاهد عادي جداً.. لا أكثر..
هذا ما كان بخصوص "العهد"، وربما تكون لنا عودة إليه بعد النهاية.. فاصل غير إعلاني، ونعود لما يعرض من مسلسلات مصرية.. في موسم رمضان الحالي..