تيجي نجرب العدل؟!

تيجي نجرب العدل؟!

براء أشرف

براء أشرف

03 يوليو 2015

قال سائق التاكسي، أن برنامجه الوثائقي المفضل اسمه "لحظات قبل وقوع الكارثة"..

 

كنت قد أخبرته بعملي في صناعة الأفلام الوثائقية، وقد أراد، لو يبدو مهتماً بصناعة لا تبدو مهمة في الأساس، فجاملني بما قال..

 

عن نفسي، فكرت، أن البرنامج الذي يفضله، لا يظهر اسمه في قائمتي للأفلام الوثائقية التي أفضلها. ولأسباب بعيدة تماماً عن الأفلام والوثائقيات..

 

ما الجدوى من مشاهدة اللحظات الأخيرة قبل وقوع كارثة ما؟، ما المهم والمفيد في مشاهدة الضحايا قبل قتلهم؟، ما اللطيف في لحظات الترقب التي تسبق كارثة كبيرة في نهاية الفيلم.. خاصة، أنك تعلم، يقيناً، أن الكارثة ستقع دون شك، لو لم تقع الكارثة فهذا الفيلم لم يكن لينتج بالأساس.. كل المحاولات التي تتابعها في بداية الحلقة ستنتهي بالفشل.. كل الخطط ستؤدي إلى نتائج عكسية..

 

الآن، أنت وأنا، نعيش في منتصف الفيلم، والكارثة، بدأت بالفعل.. وهذا، ليس مجرد فيلم!.

 

(2)

تأمل معي تاريخ اليوم. نحن الآن في شهر يوليو 2015.

 

ما الذي يعنيه هذا يا ترى؟..

 

تم عزل محمد مرسي، الرئيس المصري المنتخب في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير، نعم هو ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ونعم، قالت الجماعة أنها لن ترشح أحد أعضائها للرئاسة، لكنها رشحته، ونجح في الفوز، ثم فشل في تحقيق نتائج جيدة. فشل في أن يكون رئيساً لكل المصريين.. فتم عزله على يد عبد الفتاح السيسي.. الرئيس الحالي.. حدث هذا في أول يوليو 2013.. قبل 24 شهراً.. عامين بالتمام والكمال!.

 

حصل محمد مرسي على فرصة للتجربة مدتها عام كامل، من يونيو 2012 إلى يونيو 2013. وحصل المجلس العسكري على فرصة للتجربة مدتها عام ونصف، فبراير 2011 إلى يونيو 2012.

 

وكانت الثورة، لو أنك تذكرها وتعرفها، قد حصلت على تجربة مدتها 18 يوم، من 25 يناير إلى 11 فبراير 2011. قبل أن يتم ضربها بعنف، في مارس من العام نفسه باستفتاء قذر عمل على إعداده المجلس العسكري، مع الإخوان، وباقي القوى السياسية..

 

ببساطة. ثورتنا لم تحصل حتى على حقها في بعض الوقت للتجربة.. فقط حصلت على النصيب الأكبر من النقد والتهكم والسخرية.. والاتهامات بالفشل وعدم الجدوى.

 

السؤال الحقيقي هو: ما الذي حققه كل هؤلاء؟!.. المجلس العسكري، الرئيس الحالي، الرئيس المعزول، الإخوان، القوى السياسية المختلفة : الإجابة لا شيء.

 

والثورة، لو أنهم جميعاً يعرفون ويعقلون، كانت السبب الأساسي في أن تتيح لهم الفرصة أساساً في الوجود.. مقابل أمور بسيطة وسهلة ومنطقية : عيش وحرية وعدالة..

 

إذن، ما رأيك عزيزي المواطن، بعد فشل التجارب، وإهدار الوقت، لو نجرب العدالة؟!.. قليل منها حتى.

 

تعرف عليها، ربما تعجبك.

 

(3)

العدالة لو تعلم، يموت بسببها عدد أقل من البشر.. كما أنهم، وياللغرابة، لا يتم مناقشة حقهم في الحياة.. فهو حق، بحسب قوانين العدالة ونظامها، مكفول للجميع، تخيل، من حق الإخوان أن يعيشوا في عالم العدالة، آه والله، بل ومن حق أنصار السيسي أيضاً.. بل، وأضبط أعصابك من فضلك، من حق هؤلاء الذين يطالبون بسحب حق الحياة من الإخوان أو من مناصري السيسي، أن يعيشوا أيضاً..

 

من حقك أنت شخصياً أن تعيش. دون أن تكون بحاجة للحصول على رخصة حياة من الدولة. يتم تجديدها بحسب مزاج النظام السياسي.

 

من حقك ألا تقتلك الدولة!، تخيل، ألا تقتلك مدهوساً أو مضروباً بالرصاص الحي، ألا تموت مقتولاً بيد الفساد والإهمال، أو الأفكار!.

 

تخيل.. نعم في عالم العدالة أفكارك تخصك، أفعالك تخصك، دينك يخصك، ربك يخصك، أحلامك تخصك، مخاوفك تخصك، أنت - بشكل عام - تخص نفسك.

 

وتخيل، في عالم العدالة، أنت لست عبداً بشكل عام. البشر فيه ليسوا آلهة. لست مضطراً لعبادة الرئيس، أو المذيع، أو تقديم القرابين لجهاز التليفزيون. كما أنك - حتى - لست مضطراً لعبادة حضرة الضابط.

 

تخيل عالم بدون فاشية. عالم الحرية فيه متاحة، للجميع!. متاحة للذين يحبون البكيني والذين يفضلون النقاب. متاحة للذين يحبون الثورة والذين يكرهونها. الحرية، عموماً، من حق الجميع، فقط حريتك تقف هنا تحديداً.. عند حدود حريتي.

 

وتخيل عالم لك فيه كرامة!. تعرفها؟، الكرامة.. هذه التي تمنع أي جهة أو شخص من احتقارك أو تحقيرك، إذلالك أو التنكيل بك. تخيل أن تدخل على كمين الشرطة دون قلق!، تخيل ألا تكون مضطراً لدفع رشوة مقابل حياتك!، تخيل حتى، أنك حين ترتكب جريمة ما، فإن دخولك لقسم الشرطة يضمن لك الحياة داخله!. تخيل أن الدولة تحميك، دون أن تسيطر عليك.. تخيل أصلاً أن الدولة تحترمك وتعترف أنها بدونك كمواطن لا تسوى شيء!.

 

تخيل أنك مؤمن بأن حقوقك يحفظها قانون، والقانون في يد قضاء أنت تملك الثقة الكافية به، وتخيل لو أن الأحكام القضائية تجد طريقها إلى التنفيذ..

 

تخيل حضرتك، أنك لست مضطراً للوقوع في حيرة عند استقبالك خبر اغتيال النائب العام، ولا تصفية قيادات الإخوان، ولا العمليات الإرهابية في سيناء، ولا رد الجيش على العمليات الإرهابية في سيناء.. تخيل.. العدل وحده دواء كل هذه الحيرة والاضطراب!..

 

تخيل نفسك إنسان، خلقه رب، اسمه العدل!.

 

(4)

من حقنا، أن نطالب بالعدل. ليس لأنه الأجمل، بل، لأن الحلول الباقية أثبتت فشلها بجدارة.

 

من حقنا الآن، أن نقول، أن الكراهية، الظلم، القتل، الفساد، التحريض، التخوين، الديكتاتورية والفاشية، لم تنجح في فعل أي شيء. بل أنها حتى، وياللسخرية، لم تنجح في أن تكون كراهية حقيقية، أو ظلم كامل، أو قتل يمنع القاتل نفسه من أن يصبح مقتولاً.

 

العدل، يبدو وكأنه فقط محاولة ومخرج، لوقف النزيف عموماً، حتى نزيف القتلة. فهم (كما اتضح لنا) أضعف مما نتصور، القتلة هنا، والقتلة هناك. كلاهما ضعيف، ولا شيء مسلي على الإطلاق، في مشاهدة مباراة سخيفة، دون قوانين، بين فريقين، لن ينتصر أحدهما أبداً.

 

وتجربة العدل، لو فكرت بها، لوجدت أنها بدون خسائر، يعني بشكل برجماتي، أصلاً، لم تعد هناك أشياء نخسرها، يا أخي حتى حياتك نفسها، معرضة للانتهاء، في أي لحظة، وبأشكال متعددة، وأنت، على ما يبدو، لم تعد تملك غيرها.. جرب العدل.. لأنك لن تخسر شيئاً.. على الأقل حتى تكون قد تمكنت من تجربة كل شيء.. التجربة في حد ذاتها شيء لطيف.

 

العدل، صافرة نهاية، تضمن، ألا تصبح أحداث حياتنا مادة مناسبة لفيلم وثائقي سخيف، عنوانه "لحظات، قبل وقوع الكارثة".

 

إيه رأيك؟.. نجرب العدل!.

 

# الشكر موصول، لشخص لا أعرفه، كتب على حسابه قبل يومين "تعالوا نجرب العدل"، ومما كتب كانت السطور السابقة..