
عن الأسطى.. عمرو سمير عاطف

براء أشرف
05 يوليو 2015أعرفه منذ عشر سنوات كاملة، وحين بدأت كتابة هذه السطور، كان لابد من الاتصال به وسؤاله: قولي يا أستاذ.. متى كانت أول مرة قدمت فيها عمل تليفزوني خلال موسم رمضان؟
دقائق وجائتني الإجابة : ربما 1995..
هذا تاريخ يعني، بحسبة بسيطة، أننا نتحدث عن شخص، يقدم أعمالاً تليفزوينية طوال 20 سنة كاملة.. والرقم في حد ذاته، له دلالات كثيرة..
"عمرو سمير عاطف"، المؤلف وكاتب السيناريو، يطل علينا هذا الموسم الرمضاني بثلاثة أعمال مختلفة.. "لعبة إبليس"، "بعد البداية"، وأخيرًا العودة المنتظرة للمسلسل الكارتوني "بكار" في ثوبه الجديد..
هذا يليق حقًا، بالعام رقم عشرين..
(2)
يبدو أننا بحاجة إلى تغيير قناعتنا قليلاً بخصوص بعض الممثلين المعروفين بكونهم لا يحصلون عادة على دور بطولة أولى كاملة، ويقتصر ظهورهم على الأدوار الثانية حتى وإن كانت ذات مساحة كبيرة.
ويبدو أن ورق عمرو سمير عاطف هو مفتاح هذه المسألة.
تخيل، ممثل مثل "طارق لطفي"، بعد كل هذه السنوات بعيداً عن البطولة المطلقة، يصبح قادراً فجأة على القيام بدور جيد ومجهد مثل دوره في مسلسل "بعد البداية".. بل، وينجح المسلسل في الحصول على نسبة مشاهدة غير قليلة!.
قصة غاية في التعقيد، وسيناريو غاية في الذكاء، وبداية قوية ومفاجأة، مع صورة غير نمطية إطلاقاً، تحمل توقيع مخرج أقرأ اسمه للمرة الأولى "أحمد خالد موسى".
صحفي يستيقظ صباحاً ليجد خبر موته منشوراً في صفحات الصحف الأولى. وطوال 16 حلقة، هي ما تم إذاعته حتى كتابة هذه السطور، يجري في رحلة طويلة، ودون لحظات توقف لالتقاط الأنفاس، محاولاً فهم سر ما حدث له.
16 حلقة كاملة، من الجري والحركة، بل و16 حلقة كاملة ببطل يرتدي نفس ملابسه دون أن يغيرها لزوم استعراض الأزياء، الموضة المعتادة للدراما المصرية.
المخرج مفاجأة مدهشة بالمعنى الحرفي للكلمة، النقلات السريعة بين لقطات ضيقة جداً، إلى لقطات واسعة جداً، تأسر العين من المشهد الأول، ومشاهد الحركة منفذة بجودة تليق بأفلام السينما، بل، والأهم، أن المسلسل مبهر على المستوى الإنتاجي.. فيشعر المشاهد أن تكلفته عالية جداً، خاصة مع تصوير معظم المشاهد خارج الاستديوهات المغلقة، والخروج للأماكن الحقيقية..
ربما، الملاحظة التي يجب تسجيلها، أن زمن الحلقة قليل نسبياً، فهي تكاد لا تتجاوز نصف الساعة، وهذا يقودنا فوراً، إلى المناشدة المعتادة، بأن يتم إنتاج أعمال مماثلة خارج موسم رمضان، وخارج الالتزام بالـ 30 حلقة.. هذا المسلسل صالح جداً لعرضه في 13 حلقة، مدة كل حلقة ساعة أو ساعة ونصف، ويتم عرض حلقة واحدة كل أسبوع.. وأراهن على أن الجمهور سيتابعها.
كل هذا، يأتي في رحلة داخل كواليس عالم الصحافة المصرية.. سنعود لهذه النقطة، بعد أن نطل على "لعبة إبليس"..
(3)
يوسف الشريف، "المواطن إكس" كما عرفناه في رمضان الأول بعد الثورة، "الصياد" في رمضان الماضي، وصاحب "اسم مؤقت" و"رقم مجهول".. مستمر في طريقه كبطل لمسلسلات التشويق والألغاز، ويطل هذا العام بشخصيتين، في "لعبة إبليس"..
كتب أحدهم على فيس بوك، تعليقاً على جودة الحوار في المسلسل، يتخيل أن عمرو سمير عاطف نزل من بيته يوماً ليجد كتاباً يباع على الرصيف اسمه 200 جملة قوية ومؤثرة ولا يمكن نسيانها، فقرر شراءه، وعاد لكتابة مسلسل حواره مأخوذ من هذا الكتاب.
الحوار فعلاً قوي للغاية، بل، وطبيعة السيناريو المعقدة، التي تضع مشهد طبيعي جداً وبدون أي تصور أنه يحمل خدعة ما، ثم يتم كشف الخدعة في المشهد الذي يليه مباشرة.
واللعبة الأساسية التي يلعبها المؤلف مع الجمهور، خاصة مع تطور الأحداث بعد الحلقة 14، هو أن تعريف "إبليس" نفسه يصبح ملتبساً، فبعد أن كنت تعتقد أن الأخ الأول هو الشيطان على حساب الأخ الطيب، تتبدل الأدوار، ليحل كل منهما مكان الآخر، لتكتشف تدريجياً، أن إبليس ربما هو فكرة عامة، أو ربما هو الإعلام الذي يعمل فيه الأخوين.
وستجد نفسك كمشاهد، عاجز عن تصور أن نفس كاتب هذا المسلسل، هو نفسه صاحب "بعد البداية".. حيث يوجد اختلاف كبير في لغة الحوار، وبالطبع يوجد اختلاف في شكل الصورة، وطبيعة العالم الذي تدور داخله الأحداث..
لكن هذا لا يمنع وجود رابط ما..
(4)
وراء أحداث "بعد البداية" و"لعبة إبليس"، هناك "عمرو سمير عاطف" يحاول أن يقول لنا شيء واضح ومحدد.. احترسوا من الإعلام، وحاولوا تطوير مهاراتكم في فهمه وإدراك كواليس عالمه.
من عالم الصحافة الذي تتم فيه التعيينات بالرشوة وتعليمات الأجهزة الأمنية في المسلسل الأول، إلى صراع القنوات الفضائية مع بعضها البعض، مع تدخل وكالات الإعلان ورجال الأعمال، وبالطبع الأجهزة السيادية والوزراء وغيرهم..
الآن، وبعد هذه التجربة الطويلة للمؤلف في الإنتاج والإبداع، أدرك أن ما شاهده وعاصره بنفسه، في تجربته الشخصية في العمل الإبداعي والإعلامي، يمكن أن يكون موضوع مناسب، لإطلاع المشاهد عليه، في خلفية الألغاز والمغامرات. وهذا تطور، أعتقد أنه مهم، وملحوظ من الجمهور، ويشهر بشكل واضح في طبيعة التعليقات على الحلقات في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
الربط المباشر بين "السحر" وألعاب الحواة، وبين ما يشاهده الناس على قنوات التلفزيون، هو رصد ذكي جداً، للحظة من أسوأ وأسود لحظات الإعلام المصري على الإطلاق.
والأهمية، غير المتوقعة، للصحافة ودورها في كشف الفساد وملاحقة القتلة، أو، تضليل الجمهور والمشاركة في الفساد نفسه عبر نشر معلومات لأهداف تجارية، هذه أيضاً، مررها الكاتب في تفاصيل "بعد البداية"، بذكاء وحرفية شديدة، ودون لغة خطابية لا معنى لها.
(5)
هذا العام، وهذه الأعمال، مناسبة جيدة لشكر "عمرو سمير عاطف" عن أعماله المتطورة عبر هذه السنوات الطويلة من العمل. فهو "أسطى" حقيقي، يحترم صنعته، متمكن ومحترف، في كتابة الدراما التلفزيونية، في أشكالها المتنوعة، بداية من "بكار"، مروراً بـ"تامر وشوقية"، وصولاً إلى "بعد البداية" و"لعبة إبليس"..
شكراً أستاذ عمرو، وبشكل شخصي جداً، تشرفت بالعمل معك قبل عشر سنوات، وتعلمت منك الكثير..
الحلقة الأولى: مصر التي في المسلسل (١)
الحلقة الثانية: حق المشاهد
الحلقة الثالثة: العهد.. هل الكلام مباح؟!
الحلقة الرابعة: تحت سيطرة تامر ومريم