خطاب الكراهية وأقباط مانشستر
خالد داود
30 مايو 2017
في أعقاب كل حادث اعتداء طائفي إرهابي كريه يتعرض له مسيحيي مصر، وآخرها الهجوم البشع بلا رحمة على أتوبيس يحمل أطفال ونساء في المنيا قبل وصولهم أحد الأديرة، تدور نفس السجالات التي تعكس مدى ترسخ الفكر الطائفي في عقلية غالبية كبيرة من المسلمين المصريين على مدى العقود الماضية.
البعض من أصحاب الأفكار المتطرفة التي لا علاقة بالإسلام كما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون فقط أن المسيحيين كفار، ويرددون آيات خارج سياقها من نمط "إن الدين عند الله الإسلام" و"لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة" و "من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه".
هؤلاء الذين يعيشون فيما قبل العصور الوسطى لا يقرون لا بدستور حديث ولا بقانون ولا بمعاهدات دولية ولا بمبادئ إنسانية عامة تؤكد على حرية العقيدة وأن جميع البشر متساوون، وأنه لا يمكن ادعاء بأفضلية المسلمين على المسيحيين في مصر بأي شكل طالما أن الجميع مصريون يتمتعون بنفس حقوق المواطنة.
وما يردده هؤلاء في دروسهم وجلساتهم هو أنه منذ أن فتح العرب مصر، فلقد أصبحت دار إسلام، ويطبق على المسيحيين معاملة أهل الذمة وضرورة دفع الجزية وقائمة طويلة من المحظورات المفروضة عليهم في ممارسة شعائر دينهم. أما القانون والدستور فهي أفكار غربية تهدف إلى محاربة الإسلام، لا يعترفون بها، كما لا يكيلون أي اهتمام لفكرة الدولة الوطنية التي يتمتع فيها كل مواطنيها بحقوق متساوية بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الاصول العرقية (نوبيون - امازيغ، الخ). فالدول الوطنية التي اخترعها الاستعمار ورسم حدودها تهدف لمحاربة دولة الخلافة التي يريدون بناءها، من دون أدنى اعتبار أنه لن يبني دولة الخلافة إرهابيون قتلة، بل مسلمون يبهرون العالم بحضارتهم وأفكارهم ومساهماتهم كما حدث في القرون الماضية. هل سنبني الخلافة عنوة وقهرا في وقت نعيش أكثر عصور التخلف ظلامية؟
وهناك فريق آخر يؤمن أيضا بنفس أفكار التكفير لكل من خالفه في العقيدة، حتى لو لم يصرح بذلك، ولكن يزيد مشاعر التشفي بسبب انتمائه لمن يصفون أنفسهم بـ "أنصار الشرعية" والذين حصروا معركتهم في الحياة في إعادة الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي، ولا يرون المسيحيين في مصر سوى أنهم من ضمن القوى الرئيسية التي طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة وعزل الرئيس الإخواني بعد انتخابه. يتجاهل هؤلاء أن من حل مكان مرسي لم يكن مسيحيا، بل مسلما أيضا، وأن قادة كل أحزاب جبهة الإنقاذ الوطني التي مثلت الشق المدني الديمقراطي لمعارضة مرسي هم أيضا من المسلمين.
وإذا كان المسيحيون المصريون قد شعروا بقلق بالغ من عواقب سياسات الإخوان، تماما كما قطاعات أخرى واسعة من المصريين المسلمين على حد سواء، بسبب خشيتهم من دفع البلاد نحو الحرب الأهلية وتهديد الأسس الرئيسية للدولة المدنية الحديثة التي لا يحكم فيها أحد باسم الرب والدين، فلماذا يتحمل المسيحيون فقط مسؤولية دفع فاتورة الحساب؟ هل يمكن تصور أن بناء الوطن واستعادة نهضته سيكون نقطة البدء فيه قتل المسيحيين على الهوية كما تم في المنيا، وقبلها في كنائس البطرسية وطنطا والإسكندرية وكنيسة القديسين.
الدين الإسلامي الذي تعلمته يذكرني أن الرسول الكريم قال أن امرأة تدخل النار لأنها عذبت قطة ومنعت عنها الطعام، فماذا عمن يدخل حافلة كلها أطفال ونساء ثم يفتح النيران ليقتل الجميع بدم بارد، وكذلك عمال مساكين يكتسبون قوت يومهم ولا دخل لهم في السياسة ولا ناقة ولا جمل؟ هل هذا هو المسلم الذي يسلم الناس من لسانه ويده، وليس من رصاصه ودمويته؟
ألم يحن الوقت لمحاربة ومجابهة حقيقية مع هذه الأفكار التي لا يمكن سوى أن تدفعنا لأنهار لا تتوقف من الدماء والقتل؟ وإن لم يكن البعض قد لا يقر القتل بيديه، فماذا عمن يرون أن المسيحيين هم في درجة أقل من الإنسانية والمواطنة، فلا يجوز أن نسميهم شهداء لأن هذا الشرف يقتصر على المسلمين فقط؟
ومقابل الأفكار الظلامية للمتطرفين، هناك الاستهبال الرسمي بالطبع الذي طل علينا فور وقوع جريمة المنيا من خلال تعليقات السادة الوزراء وكبار من يسمون أنفسهم بـ "خبراء أمنيين". حظي العاثر ساقني لمتابعة قناة خاصة تتلقى دعما حكوميا فور وقوع جريمة المنيا، ولا يمكن أن تكون مصادفة أن كل مسؤول حكومي و "خبير" في الكذب تحدث للقناة كانت بداية كلامه وتبريره للفشل الأمني الواضح في حماية المسيحيين رغم استهدافهم المتواصل على مدى الشهور الماضية هو: هو احنا أقل من مانشستر؟ وكان قد وقع في تلك المدنية الإنجليزية قبل أيام هجوم إرهابي استهدف احتفال لمطربة أمريكية وقتل فيها العديد من الأطفال.
نعم أيها السيد المسؤول والخبير الكذابين، المنيا ليست مانشستر، وإرهاب أوروبا ليس كإرهاب مصر. فنحن لنا تاريخ طويل من الهجمات الطائفية التي تعرض لها المسيحيون المصريون، منذ أحداث الزاوية الحمراء في عصر الرئيس الأسبق أنور السادات في نهاية السبعينات من القرن الماضي. وإذا كانت الهجمات الإرهابية تقع في أوروبا بشكل متزايد مؤخرا، فإن الأهداف والسياق يختلفان تماما عما نعانيه في مصر منذ عقود. ولم يتم قتل الأطفال في مانشستر لأنهم أطفال، ولكن أطفالنا المصريين في المنيا قتلوا بكل استهتار لأنهم مسيحيون وفقط.
وما بين الأفكار الظلامية ومشاعر التشفي والاستهبال الرسمي، ستستمر حوادث قتل الأقباط، ولن توقفها هجمات بالطائرات سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق أو حتى قطر لو قررنا التوسع في تجاهل الأسباب الحقيقية التي تسمح بوقوع هذه الجرائم في بلدنا. رحم الله شهداء المنيا، ورحم بلدنا من الكذابين والطائفيين والظلاميين الذين يستهترون بالدم وبأرواح البشر.