عفريت الإعلام
خالد داود
06 يونيو 2017
قرار حجب العديد من المواقع الإخبارية، وتخصيص إدارة كاملة في وزارة الداخلية للتيقن من حجب هذه المواقع وكذلك محركات البحث التي يمكن بها تجاوز هذا الحجب، والهوس باعتقال الشباب بسبب تعليق كتبوه هنا أو هناك على مواقع التواصل الاجتماعي، كل هذه التصرفات هي استكمال طبيعي لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن الإعلام منذ أن برز كوزير للدفاع بعد عزل الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي.
سيادة الرئيس القائد العسكري الذي يعتبر أنه في حرب متواصلة، منذ اليوم الأول لعزل مرسي، مؤمن بقوة بنظرية الجيل الرابع والخامس ودور المعلومات في هدم الدول والأنظمة. ويعتبر سيادته بكل وضوح أن الإفصاح عن المعلومات مضر بالروح المعنوية، واستدعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فور توليه منصبه بمقولته الشهيرة "يا بخت عبد الناصر كان الإعلام كله معاه" في تعبير واضح عن رغبته لتأميم الإعلام لأن هذا هو تماما ما قام ناصر.
وذكرنا الرئيس بأنه في حرب الاستنزاف كان الجيش المصري يمتنع عن الكشف عن أرقام القتلى من شهداء الجيش المصري وذلك لكي لا يتأثر المصريين. كما أنه دائم الانتقاد للإعلام ودوره وطالبنا في غير مرة ألا نفرط في انتقاد أداء الوزراء والحكومة لأن هذا يؤثر على المعنويات المرهفة للسادة المسؤولين ويحبطهم أثناء أداء عملهم. إلى جانب أن سيادته يعلم ما لا نعلم، ويلتقي الوزراء كل يوم ويقيم أداءهم.
وفي أعقاب حادثتي تفجير الكنائس في طنطا وإسكندرية، لم يكشف لنا سيادته ما لديه من معلومات بشأن الإرهابيين المنفذين، ولكنه تحدث بعصبية عن ضرورة عدم قيام الإعلام بالتوسع في نشر صور الضحايا لأن هذا يؤثر على معنويات المصريين. ورغم أنه تمت الاستجابة فورا لتوجيهات السيد الرئيس وتراجع نشر صور التفجيرات في المدينتين وما نجم عنهم من شهداء، فالمفاجأة كانت أن الإرهاب لم يتوقف، ووقع الهجوم على المصريين الأبرياء من المسيحيين في المنيا عند توجهم لزيارة أحد الأديرة.
ولأن السيد وزير الإعلام الجديد مكرم محمد أحمد (تحت مسمى رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام) دوره الأول هو تنفيذ توجيهات السيد الرئيس، فلقد أمر على الفور الصحف بعدم التوسع في نشر الصور والمعلومات الخاصة بهجوم المنيا الإرهابي، والتزم الجميع. ولكن طبعا لم تلتزم القنوات الفضائية الخارجة عن سيطرة الدولة ورجال أعمالها، كما لم يلتزم طبعا عشرات المواطنين الذين زاروا موقع الحادث في المنيا ونشروا ما لديهم على موقع يوتيوب الشهير.
كما أن نظامنا أصلا لا يتأثر بأي معلومات يتم نشرها، ولا يعتبر أن هناك معلومات أصلا ما لم تنشرها وسائل الإعلام الحكومية أو الخاصة التابعة للحكومة. هل قامت الدنيا ولم تقعد بعد تسريبات الرئيس ومدير مكتبه عباس كامل أثناء توليه لوزارة الدفاع؟ هل قامت الدنيا ولم تقعد بعد أن أذاعت قناة تلفزيونية مقرها تركيا صور فيديو مفزعة لما يبدو أنهم جنود جيش مصريين يقتلون مواطنين بعد اعتقالهم في سيناء؟ لم يهتم النظام حتى بإصدار بيان رسمي ينفي أو يؤكد. وهكذا ما لم تعترف الحكومة بوجود هذه التسريبات والفيديوهات، فأنها لم تقع، وهذا أبلغ رد من نظامنا الميمون في "عصر المعلومات".
ولن أردد ما أثاره كثيرون بشأن قانونية قرار الحجب وتحديد الجهة التي اتخذت القرار، خاصة فيما يتعلق بالمواقع المصرية التي تضم صحفيين مصريين أعضاء في النقابة وآخرين "تحت التمرين"، ولكن السؤال الأهم هو هل هذا القرار مُجدي أو سيؤدي إلى ما يصبو الرئيس السيسي إليه من منع المواطنين من الاطّلاع على معلومات قد تزعزع ثقتهم في سياسات النظام الحالي، أو تخلق عدم الاستقرار وتثير السيدة الفاضلة بلبلة؟
الإجابة طبعا لا. فحجب المعلومات في عصرنا الحالي المسمى بـ "عصر المعلومات" بات مستحيلا، ما لم يكن القرار سيلحقه فرمان آخر بحجب الإنترنت تماما لأننا سنخوض حربا قريبا مثلا أما ضد ليبيا أو إيران بناء على التنسيق مع الأشقاء السعوديين بعد تسليم جزيرتي تيران وصنافير بتصويت مخزي من البرلمان الذي تم انتقاء أعضائه على الفرازة في الغرف المغلقة لجهاز المخابرات العامة والأجهزة المعنية الأخرى المعنية.
وإذا أغلقنا الإنترنت، فهل سنقوم بـ "شد الفيشة" عن الأقمار الصناعية التي تلتقط المحطات من كل أرجاء العالم؟ وهل سنشوش على محطات الإذاعة؟ وهل لدينا قدرة أصلا الآن على وقف الإنترنت في وقت تعتمد فيه الحكومة نفسها والبنوك ومصالح عديدة على الشبكة العنكبوتية لإنهاء مصالح المواطنين؟
ورغم أنني صحفي، ولا بد أن أشعر بالزهو من فرط اقتناع الرئيس بأهمية ما ننشره من معلومات، فإن الحقيقة الوحيدة التي أنا على يقين منها بعد ثلاثين عاما من العمل الصحفي هي أنه ما لم تكن المعلومات صادقة وتعكس ما يجري على أرض الواقع، فإن هذه المعلومات لن يكون لها تأثير ولن يصدقها أحد.
خلال العام التي قضاه الرئيس مرسي في الحكم، كانت كل القنوات التلفزيونية تعمل بحرية، بما في ذلك القنوات التابعة للإخوان. ورغم أن قناة الإخوان كانت تذيع بيانات ونداءات ومعلومات لا أول لها ولا آخر دفاعا عن مرسي ولدحض ما يبثه معارضيه من دعاية مضادة، فإن غالبية المواطنين من غير الإخوان لم تكن تصدق ما يرد في تلك القناة.
وكذلك الحال الآن، لو أذاعت كل قنواتنا نشرات تم كتابتها في إدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة فقط، فلن يصدق أحد ما يسمعه أو يشاهده ما لم يكن لها صلة بالواقع الذي يعانيه المواطنين يوميا. هذه هي قوة المعلومات يا سيادة الرئيس، وليس حجب المواقع واعتقال الشباب وحبسهم لأنهم يكتبون كلمات على الفيس بوك.