
أنا بحبك أكتر .. يا أمريكا !

خالد داود
14 يونيو 2017أي متابع لتغطية القنوات الممولة من دول الخليج الثرية للأزمة الأخيرة مع قطر لا بد أن يلفت انتباهه ذلك التنافس المحموم في إبداء الحب والوله بأمريكا وبرئيسها المغرور دونالد ترامب، وتأكيد أن القوة العظمى الوحيدة في العالم تقف إلى جانب الطرف الذي يمول هذه القناة أو تلك.
ولم يعد هناك استحياء في التملق للدولة التي كانت حتى أعوام قليلة ماضية يتم وصفها بالإمبريالية والداعمة بجنون للعدو الصهيوني، هذا إذا كانت الدول التي تمول القنوات الفضائية، وتحديدا السعودية وقطر والإمارات، ما تزال تعتبر هناك عدوا صهيونيا من الأساس، وليس حليفا لصيقا يتم التنسيق معه من أجل خدمة المصالح الضيقة للدول الثلاث، والأهم المواجهة مع العدو الأول لهم، من وجهة نظرهم، في هذه المرحلة: إيران الشيعية التي تأوي "الرافضة".
فقناة الجزيرة القطرية تبدأ إحدى نشراتها الإخبارية بلقاء مطول مع مراسلها من واشنطن حول تفاصيل رسائل البريد الإلكتروني التي تم اختراقها لسفير الإمارات لدى الولايات المتحدة وكيف أنه كان يستخف بالرئيس الأمريكي ترامب قبل انتخابه ويستبعد فوزه على منافسته هيلاري، مع تكرار التركيز على ما يعرفه الجميع عن ترامب من أنه يبني علاقاته مع الدول الأجنبية بناء على أهوائه الشخصية. والرسالة المكشوفة هنا بالطبع أن الإمارات وليس قطر هي التي يجب معاقبتها، بينما الدوحة حليف أمين موثوق به يحب ترامب حتى الموت.
وبعد خبر التسريبات الإماراتية، يأتي خبر التصريحات الصادرة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والتي تؤكد على أن قطر حليف استراتيجي ينال الكثير من التقدير من الجنرالات الأمريكيين لاستضافتها لقاعدة العيديد التي تضم 11 ألف عسكري أمريكي وتلعب دورا محوريا ورئيسيا في ضرب العراق وسوريا وضرب أيا ما تشاء أمريكا ضربه في كل الدول العربية.
ويؤكد المذيع الهمام بكل سعادة وابتسام أن قاعدة العيديد باقية، وحماية أمريكا باقية، وأن الذي تحميه أمريكا لا يهدده أحد، ولا حتى السعودية أو مصر بجيوشهم الضخمة.
وبعد أخبار التحريض ضد الإمارات والسعودية بموقف البنتاجون، يأتي دور تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، والذي يدعو بدوره لتخفيف الحصار السعودي غير المسبوق على قطر ويحذر من عواقبه على سير عمليات مكافحة الإرهاب وضرب داعش في العراق وسوريا. ثم سلسلة أخرى من التصريحات الألمانية والفرنسية والبريطانية التي تقف كلها ضد التصعيد السعودي والإماراتي والمصري وتدعو للهدوء والحوار.
ولو اكتفيت بمشاهدة قناة قطر الجزيرية (فالجزيرة هي الدولة في الأساس) لشعرت أن قطر في طريقها للانتصار وأنها في انتظار اعتذار صريح وواضح يبدي الندم من الدول العربية التي قررت مقاطعتها وحصارها بفضل دعم البنتاجون والخارجية الأمريكية والمواقف الأوربية.
ولكن الصورة ستختلف تماما إذا أمضيت بعض الوقت لو قررت متابعة قناة العربية ومعها قناة سكاي الإماراتية، والتي من المؤكد أنه ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بقناة سكاي العالمية التي يمتلكها الإمبراطور الاسترالي المعروف بدعمه للعدو الإسرائيلي، روبرت مردوخ. ففي العربية وسكاي النصر السعودي – الإماراتي – البحريني - المصري قادم لا محالة، أيضا بدعم امريكي، ولكن هذه المرة من الرئيس ترامب شخصيا، مدير وزير الخارجية تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس.
ولا يتوانى ترامب بدوره عن مغازلة السعوديين، وانتقاد قطر بصريح العبارات لدرجة القول أن لقطر "تاريخ طويل في دعم الإرهاب على أعلى المستويات".. ومقابل انتقاد قطر وتكرار أنها لا بد أن تتوقف فورا عن "تمويل الإرهاب"، فإن الخبر الأول في العربية وسكاي كان وصف ترامب للملك سلمان بـ "الصديق العزيز" الذي يشعر نحوه بامتنان كبير بعد أن وقع البلدان صفقات بقيمة 350 مليار دولار لشراء أسلحة أمريكية من شأنها خلق مئات الألوف من الوظائف في الولايات المتحدة، وذلك خلال زيارة الرئيس الأمريكي للرياض نهاية الشهر الماضي وتنظيم السعوديين لقمة الولاء والبراء لأمريكا بحضور 50 رئيسا لدول عربية وإسلامية.
وعلى مدى ما يزيد عن أسبوع حتى الآن من اندلاع هذه الأزمة غير المسبوقة في دول الخليج، لم أسمع ولو مرة واحد كلمة عن جهود "عربية" لحل الأزمة، خاصة وأن السيد أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أعلن أنه محايد من سويسرا في هذا الصدد. فالكل يعلم جيدا أن أبو الغيط كانت علاقته شديدة السوء بدولة قطر التي كادت أن تصدر بيانا رسميا يرحب بخروجه من منصب وزير الخارجية بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع مبارك. كما أنه من المعروف أن السعودية منحت أمناء عام سابقين للجامعة مبالغ سخية لدى خروجهم من مناصبهم تقدر بملايين الدولارات كمكافئة نهاية خدمة، ولا أحد يستطيع أن يقول "بم" للمملكة الثرية داخل المؤسسة المتهاوية المسماة بجامعة الدول العربية، والتي تعاني من أزمة مالية خانقة وتستطيع بالكاد، وأحيانا لا تستطيع، دفع مرتبات موظفيها.
ووسط هذا السعي المحموم من طرفي الأزمة للتأكيد أن كل منهما على صواب ويحظى بدعم أمريكا وترامب، لم أعد أستبعد وأنا أتابع هذه القنوات الدعائية الممولة، سواء السعودية أو القطرية أو الإماراتية، أغنية المطرب الهضبة عمرو دياب "أنا بحبك أكتر"، والجميع في انتظار الرد من واشنطن "وانا كمان".. ولكنه غالبا لن يأتي الرد، وستكون إجابة ترامب "طيب سيبني أفكر شوية".
ماتت الأمة العربية، والتنافس الآن هو في فتح أرضينا للاحتلال الأمريكي، وأضعف الإيمان امتلاك قاعدة عسكرية أمريكية يتم استخدامها لتأكيد النفوذ الإقليمي ولتقديم فروض الطاعة والولاء والوله للتاجر الأرعن ترامب.