تيران وصنافير.. ونيران الأصدقاء

تيران وصنافير.. ونيران الأصدقاء

خالد داود

خالد داود

27 يونيو 2017

 

"اللهم أعني على أصدقائي، أما خصومي فأنا كفيل بهم".. هي مقولة ترن في أذني وسط الظروف الصعبة التي نمر بها حاليا في مصر في أعقاب قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتصديق على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين رغم أحكام القضاء ورفض غالبية المصريين لهذا الاتفاق. وفي مؤتمر صحفي حضرته مؤخرا لرؤساء الأحزاب المعارضة، كان غالبية الحضور غاضبين جدا، وانهالت الاقتراحات التي تصور أصحابها أنها ستمثل قمة الثورية والإعلان عن الرفض.

 

وكان من ضمن هذه المقترحات الدعوة إلى إعلان تجميد نشاط كل الأحزاب السياسية المعارضة لاتفاق تيران وصنافير، وذلك بهدف "إحراج" النظام على المستوى المحلي والعالمي. وتناسى "الأصدقاء" أن إعلان تجميد نشاط كل الأحزاب المعارضة هي هدية ينتظرها النظام بفارغ الصبر ويتمناها، في ضوء أن النظام لا يرحب ولا يحبذ وجود أية أصوات معارضة من الأساس، ويرى أن واجب كل مصري "وطني" في هذه المرحلة هو الانصياع لأوامر "القائد" وعدم إضعاف الروح المعنوية بينما نحاول تجنب مصير سوريا وليبيا والعراق في المعركة الدائرة ضد الإرهاب.

 

أما النظام العالمي والمجتمع الدولي الذي نرغب في فضح النظام أمامه وبعث رسالة مفادها أنه لا يوجد مجال لممارسة السياسة في مصر، فهو بدوره قد تخلى تماما عن أي اهتمام بقضايا حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط عموما، وأصبحت الأولوية فقط لمكافحة الإرهاب والسعي لوقف تدفق اللاجئين إلى الدول الغنية.

 

وإذا كان دونالد ترامب الأخرق يبالغ في إبداء حبه للنظام الحالي وللرئيس السيسي لدرجة أنه أبدى إعجابه المفرط بحذائه اللامع واستقبله في البيت الأبيض لكي يرتب معه "صفقة القرن"، فسنكون محظوظين جدا لو صدر بيان مقتضب عن الخارجية الأمريكية ينص على أن الوزارة تدرس قرار الأحزاب المصرية المعارضة بتجميد نشاطها وتدعو السلطات المصرية للتعامل بشكل به تفهم لمطالبهم.

 

ورغم أن أوروبا قد تبدو أكثر استياءً من الانهيار الحاد في أوضاع حقوق الإنسان في مصر وغلق المجال العام خاصة بعد صدور قانون تجميد عمل الجمعيات الأهلية وإخضاعها كاملة لرقابة الأمن، فإن صفقات الرافال والميسترال ستسكت فرنسا، وصفقات الغواصات والسفن الحربية ستسكت ألمانيا، وعدة صفقات لاستكشاف الغاز لشركات بريطانية ستسكت لندن. هذه حقائق يدركها النظام الحالي ويعرف جيدا أولويات المجتمع الدولي، والتي لم تعد تتضمن حقوق الإنسان وسط الفوضى العارمة والحروب التي تجتاح منطقتنا.

 

كما اقترح "أصدقاء" آخرون وأصروا على ضرورة أن يتضمن أي بيان للأحزاب المعارضة لاتفاق تيران وصنافير الدعوة فورا إلى "إسقاط" النظام الحالي وتوجيه تهمة "الخيانة" لكل من وافقوا على الاتفاق وقاموا بالتصديق عليه. وتناسى هؤلاء الأصدقاء أيضا أننا لسنا وحدنا في مصر، لو كنا فعلا نؤمن بالديمقراطية والتعددية، وأن هناك قطاعا معتبرا من المواطنين (سنختلف حول تقدير حجمه في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة والغضب المتنامي من سياسات النظام) ما يزال يدعم النظام الحالي والرئيس السيسي. وهذا القطاع المعتبر يخشى عموما من أي مظهر من مظاهر الفوضى ودعوات التغيير الجذرية، وسينظر إلى الدعوة لإسقاط النظام والرئيس على اعتبار أنها دفع للبلاد نحو المزيد من التدهور. وحتى لو كان هناك غضب واسع من التنازل عن أرضنا دون مبرر للمملكة، ودون اطلاعنا على المقابل الحقيقي، فإن ذلك لا يترجم نفسه بالضرورة بالدعوة لإسقاط النظام.

 

وفي نفس الإطار صمم المعترضون من "الأصدقاء" على أن يتضمن البيان كذلك تحذيرا لنواب مجموعة 25-30 في البرلمان أنه سيتم اعتبارهم من ضمن "الخونة" ما لم يقوموا بتقديم استقالاتهم فورا من "برلمان العار والتفريط في الأرض".. هؤلاء النواب الذين حاولوا التصدي داخل البرلمان لمهزلة تمرير الاتفاق وسط ضغوط هائلة مارستها الأجهزة الأمنية على أعضاء البرلمان لكي يصوتوا لصالحه من دون أي ضجة، وتمت إحالتهم جميعا للجنة القيم والتهديد بفصلهم، أصبحوا فجأة هم الهدف الأساسي لهجوم "الأصدقاء" المعارضين مثلي للاتفاق بدلا من تركيز الجهد على من تجاهلوا أصلا إرادة الشعب المصري والقضاء، والبحث عن السبل التي سيتم بها مواجهة الاتفاق بعد تصديق الرئيس ونشر الاتفاق في الجريدة الرسمية وتداول تقارير عن قرب رفع العلم السعودي على جزيرة تيران تحديدا وإنزال العلم المصري.

 

لماذا لا يجيد بعض "الأصدقاء" الثوريين والمعارضين قراءة المشهد بموضوعية وتركيز نيرانهم على "الخصوم" بدلا من الأطراف التي تدعم وجهة نظرهم ويرفضون مثلهم اتفاقية التنازل عن الأرض؟ ولماذا لا ننظر للأمور بنظرة أكثر اتساعا بحيث نسمح لكل طرف بأن يساهم بما يستطيع به في دعم موقفنا المعارض لاتفاقية الجزر واعتبارهما الآن "محتلتان" من قبل السعودية، من دون تخوين والتمسك بمبدأ إما الاتفاق التام أو الموت الزؤام؟

 

فلنستفيد مما يمكن أن تقدمه أحزاب المعارضة التي تعمل في إطار من القانون والدستور حتى لو كان النظام لا يحترم أي قانون أو دستور، ولتقدم ما تستطيعه في هذا المجال.

 

وبدلا من أن نرفع شعار إسقاط النظام، لماذا تأخرنا في إطلاق حملة قوية منظمة تحشد الجهود وراء مرشح ينافس الرئيس السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة مطلع العام القادم؟ لماذا لا يكون هذا سبيلنا للإعلان بوضوح أن الرئيس الحالي فشل في إدارة كل الملفات التي وعد بتنفيذها، سواء من ناحية هزيمة الإرهاب، أو تحسين الاقتصاد، ومؤخرا الحفاظ على وحدة وسلامة أراضينا؟

 

وبدلا من أن ندعو نواب 25-30 للاستقالة، فلنقدم لهم الدعم ونسعى لزيادة عددهم داخل البرلمان لكي يدرك النظام أنه كلما أغلق بابا للمعارضة، انفتحت أبوابا أخرى؟

 

المعركة طويلة ولن تحسمها الضربة القاضية، ولكن لنوحد صفوفنا لخدمة أهدافنا بدلا من أن نستسهل توجيه السهام في الاتجاه الخاطئ ونخون بعضنا بعضا يا "أصدقاء".