زيادة الأسعار.. والغضب المكتوم

زيادة الأسعار.. والغضب المكتوم

خالد داود

خالد داود

08 يوليو 2017

للمرة الثالثة منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية قبل ثلاث سنوات، يعتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه يتخذ قرارات شجاعة ومقدامة عبر فرض زيادات غير مسبوقة في أسعار سلع أساسية لا يتضرر منها سوى الغالبية العظمى من المصريين الفقراء. ويتناسى الرئيس وعودا أطلقها في الحملة القصيرة التي سبقت انتخابه وقال فيها بالنص أنه لن يقدم على تخفيض الدعم ورفع الأسعار "غير لما المصريين يغتنوا".

 

المصريون يزداد فقرهم يوما بعد يوما، بينما الرئيس والحكومة يواصلون الضغط على أساسيات حياتهم دون شفقة ورحمة مع المطالبة الدائمة بالصبر والتحمل، وكأن المصريين شهدوا في أي عهد من العهود طوال العقود الماضية مرحلة تمتعوا فيها بالنعيم والرخاء. المصريون صابرون ويعانون الظلم والفساد منذ مئات السنين، ولم يجدوا أبدا من يقر بحقوقهم الأساسية والإنسانية، وكأنه قدر محتوم أن تبقى تحكمنا عقلية المماليك الذي يرون أن مهمتهم فقط هي الجباية وتعذيب المواطنين.

 

من هم تحت خط الفقر، الذي تقدره الحكومة بـ 500 جنيه شهريا للفرد، تضاعفت أعدادهم حتى تجاوزوا الثلاثين في المئة، حتى لو كان الحد الأدنى للأجور رسميا على الأقل للعاملين في القطاع الحكومي 1200 جنيه. تضاعف الأسعار مرات ومرات، ولو طالب نائب البرلمان أو وجه نصيحة مخلصة بضرورة رفع ذلك الحد الأدنى الهزيل إلى 3 آلاف جنيه شهريا، يصيبه الإهانة والتقريع من الرئيس بطريقة "من أنتم" الشهيرة التي أطلقها العقيد القذافي، والاتهام بأننا لا نفقه شيئا ولم ندرس اقتصاد.

 

ومن كان يتم وصفهم بـ "الطبقة المتوسطة" يستحقون الآن بلا أي فخر لقب الفقراء ويدعون ربهم ألا يسقطوا إلى مرتبة من هم دون تحت خط الفقر. أما من كانوا يحمدون ربهم لأنهم نالوا صفة "الطبقة المتوسطة المرتفعة" فهؤلاء يراجعون حساباتهم كل يوم، ويصلون لله ليل نهار ألا يضطروا إلى إخراج أبنائهم من المدارس الخاصة التي توفر الحد الأدنى من التعليم المعقول، مقارنة بمراكز نشر الجهل المسماة بمدارس حكومية، وأن يستطيعوا دفع فواتير المستشفيات الباهظة لو شاء قدرهم العاثر أن يطول مرض أبناءهم أو أحباءهم، وذلك تجنبا لمراكز الموت ونشر المرض المسماة بالمستشفيات الحكومية.

 

من تبقى إذن؟ الأغنياء المنتمين لبيروقراطية الفساد الحكومية والمتحالفين معهم من فئة قليلة من رجال الأعمال الحيتان الكبار أصحاب المليارات ممن شكلوا طوال عهد المخلوع تحالف القمع والفساد؟ هؤلاء ليس لهم سوى التدليل والقرارات التي تزيد من أرباحهم ومكاسبهم يوما بعد يوم، بداية من القرار الكارثة بتعويم الجنيه، ومرورا بقرار خفض الضرائب على الدخل وانتهاء بالمشاريع الضخمة العملاقة والفيلات الفاخرة و"المجمعات السكنية الملكية" (روبايل كومباوند) التي تبنيها القوات المسلحة في العين السخنة بما فيها من تلفريك ومرسى لليخوت وحمامات سباحة أولمبية.

 

من يحاسب الرئيس والحكومة على إهدار مواردنا القليلة المتدهورة، سواء عبر مشروع توسعة قناة السويس الفاشل والذي لم يؤد إلى إضافة دولار واحد إلى الدخل السنوي للقناة، بل تراجع بمعدل 200 مليون دولار، وفقا لآخر الإحصاءات الحكومية؟ من يحاسب رئيس هيئة القناة سيادة اللواء مميش الذي وعدنا بزيادة قدرها مائة مليار دولار في دخل القناة على مدى عشر سنوات؟ من سيعوضنا نحن المصريون "الفقراء اوي" على إهدار 64 مليار جنيه (أو ثمانية مليارات دولار) في ذلك الوقت لكي يغني ويرقص الأطفال بأن المشروع "بإيدين مصرية" بينما تم استدعاء حفارات العالم بأكمله وشركات أجنبية من كافة أرجاء العالم لكي ينفذوا المشروع في عام واحد فقط، وذلك لأن الزعيم القائد أمر بذلك؟

 

من سيدفع حساب فاتورة الاحتفال الملكي الباهظ الذي أقامه الرئيس لكي يفتتح المشروع بينما هو يبحر على رأس السفينة الملكية "المحروسة" وهو يرتدي زي المشير بكامل نياشينه بينما رتبت شركة علاقات عامة إنجليزية ترتيبات الحفل لقطة لقطة، بينما الطائرات تجوب السماء في استعراضات متنوعة لإرضاء ضيوف السيد الرئيس الذين جلسوا في المقصورة؟

 

هل تذكرون ما كان يسمى بمؤتمر شرم الشيخ؟ أين الاستثمارات التي اقتربت من حد الـ 200 مليار دولار التي تحدث عنها كبار المسؤولين والتي كانت، لو تحققت وأتت، كفيلة بالفعل في إحداث نقلة تاريخية في مستوى معيشة المصريين؟ إلى متى العناد والكذب والطنطنة والاحتفالات التي لا يراها سوى الرئيس ولا تطرب لها آذان سوى آذان الرئيس بينما موكبه المهيب المكون من عشرات السيارات، التي تكفي كل منها لبناء عدة مدارس للفقراء، يمضي في طريقه على سجاد فاخر.

 

لماذا الإصرار على العاصمة الإدارية الجديدة بعد أن انسحبت كل الدول من ضخ استثمارات لبنائها؟ ولكن هذا سؤال لا محل له وإجابته بسيطة.. الرئيس أمر ببناء عاصمة إدارية جديدة لأن الدولة تحولت إلى أكبر تاجر مقاولات في مصر. أما من يستفيد ومن سيشتري، فهذه أسئلة لا يطلقها سوى المغرضون الحاقدون ممن لا يحبون مصر!

 

صندوق النقد الدولي نصح حكومتنا بفرض ضرائب على أرباح البورصة، ولكن الأغنياء زمجروا وأظهروا العين الحمراء، فتراجعت الحكومة سريعة وأجلت الضريبة لمدة عام. وعندما حاولت مجددا بعد القرار الكارثي بتعويم الجنيه البدء في تطبيق الضريبة، عاد الأغنياء وحلفاء الفساد إلى إطلاق التحذيرات، فسارعت حكومتنا الحنونة إلى اتخاذ قرار فوري بالتأجيل، ولكن هذه المرة لمدة ثلاث سنوات.

يخطىء الرئيس كثيرا إذا اعتقد أن عدم خروج المواطنين في مظاهرات واحتجاجات فور صدور القرارات الأخيرة بزيادة سعر البنزين والكهرباء معناه أن المواطنين "يشعرون بالرضا" كما صرح السيد رئيس الوزراء. الغضب مكتوم في نفوس المواطنين، وآثار الصدمة عميقة بعد أن تضاعفت أسعار كل شئ، بينما انخفض سعر الإنسان المصري فقط. وإذا اشتكيت وقلت آن للظلم أن ينتهي، فأنت لا تحب مصر ولا تريد التضحية.

 

عاشت جمهورية مصر المضحية دائما وأبدا!