طارق حسين.. مأساة مواطن مختفي

طارق حسين.. مأساة مواطن مختفي

خالد داود

خالد داود

12 يوليو 2017

 

لا أريد الكتابة عن مأساة طارق حسين لأنه صديقي وبمثابة أخ أصغر منذ أن عرفته قبل نحو خمس سنوات. ولكني أريد الكتابة عن طارق لأنه نموذج صارخ وفج للمدى الذي يمكن أن تذهب له الأجهزة الأمنية إذا قررت التنكيل بأي مواطن مصري وأن تذيقه الأمرين، أو كل المر الذي في الدنيا لو أرادوا.

 

طارق حسين، الشهير بطارق تيتو، محامي ونائب أمين الحريات بحزب الدستور. ورغم أنه لم يتجاوز من العمر 23 عاما، فهو وجه معروف للكثيرين لعدة أسباب: أولها أنه هو شخصيا كان صاحب قضيتين متناقضتين تماما بعد أن قام المصريون بإنهاء حكم الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي في 3 يوليو 2013. ففي زمن الإخوان، تم القبض عليه واتهامه بالتظاهر أمام مكتب الإرشاد في المقطم.

 

وبعد صدور قانون التظاهر الظالم في نهاية العام 2013، تم القبض عليه لمرة ثانية، واتهم هذه المرة بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين! هذه تفاصيل صغيرة لا تهتم بها الأجهزة الأمنية، أو رعاع النظام ممن يسارعون لاتهام أي شخص بأنه "إخوان" لو عبر عن أي آراء معارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى لو كان، كما كاتب المقال، ضحية لاعتداء ومحاولة للقتل على يد أنصار جماعة الإخوان.

 

ولكن ما زاد من شهرة طارق تيتو هو الدور البارز الذي قام به في الدفاع عن قضية شقيقة الأصغر، محمود، الذي عرفه العالم كله بلقب "معتقل التي شيرت"، محمود قضى ما يزيد عن عامين داخل السجن محبوس احتياطيا لأنه تم توقيفه في إحدى نقاط التفتيش واعتقاله بعد الاشتباه به لمجرد أنه كان يرتدي تي شيرت مكتوب عليه "وطن بلا تعذيب".

 

محمود كان حدثا لم يتم الثامنة عشر عندما تم اعتقاله، وكان طالبا في السنة الثانية ثانوي. ولكن صغر سنه لم يشفع له، وبقي محتجزا في سجون مختلفة، كان آخرها سجن الاستئناف المرعب في مديرية أمن القاهرة حيث قضى عاما وثلاثة أشهر في ظروف سيئة للغاية. ونتيجة لطول فترة اعتقاله، فلقد لحقت به إصابة في مفصل القدم، واضطر للقيام بعدة عمليات جراحية بعد خروجه لكي يتمكن فقط من المشي.

 

وفي إطار حملة الاعتقالات الموسعة التي قامت بها أجهزة الأمن بعد تقديم اتفاقية التنازل عن الأرض في تيران وصنافير للبرلمان لإقرارها، قام جهاز الأمن الوطني باقتحام منزل طارق تيتو واعتقاله صباح يوم 17 يونيو، أي قبل نحو شهر. وواجه طارق نفس قائمة الاتهامات المعلبة التي يتم توجيهها لكل الشباب الذين تم اعتقالهم في الأسابيع الأخيرة: الدعوة للتظاهر ضد اتفاقية تيران وصنافير المصريتين، إهانة رئيس الجمهورية، وطبعا الانضمام لجماعة تهدف لإعادة إحياء الإخوان المسلمين.

 

وفي اليوم التالي مباشرة، 18 يونيو، صدر قرار من النيابة إخلاء سبيله بكفالة ألفين جنيه، حيث أن أوراق المحضر الذي أعده ضابط الأمن الوطني خلت من أية أدلة حقيقية تثبت مزاعمهم. هل تلتزم الداخلية بقرار النيابة وتقوم بالإفراج عن طارق؟ للأسف الشديد، لا.

 

الأجهزة المعنية في وزارة الداخلية ادعت وجود 13 قضية ضد طارق في عدد من محافظات بدعوى تشابه الأسماء. ورغم أن محاميه تقدموا بصحيفة الحالة الجنائية الخاصة به (الفيش والتشبيه)، والتي حصل بمقتضاها على عضوية نقابة المحامين قبل شهور قليلة، والتي توضح بشكل قاطع أنه "غير مطلوب على ذمة أية قضايا"، فإن وزارة الداخلية رفضت الإفراج عن طارق، وأصرت على التنكيل به عبر ترحيله إلى عدة أقسام شرطة ومحافظات بزعم التيقن من أنه ليس نفس الشخص المطلوب على ذمة قضايا صادر بحق أصحابها أحكام بالحبس.

 

وللتأكيد على أن ما يتعرض له طارق لا صلة له بالقانون، فلقد تم عرضه في قضايا شديدة الغرابة تتضمن تبديد منقولات زوجية بينما كان عمره لا يتجاوز 14 عاماً. كما تم الاشتباه في تورطه في قضية أخرى خاصة بخيانة أمانة بينما كان عمره في ذلك الحين خمس سنوات! هذا عدا اتهامه في قضية سرقة تيار كهربائي في مرسي مطروح التي لم يزرها طوال حياته، وقضية ضرب في الإسكندرية.

 

وبعد تنقل لا ينتهي في عربة ترحيلات في ظروف مزرية من مدينة لأخرى في شهر رمضان وفي حر قائظ، ومن قسم شرطة لآخر، فقد المحامون أثر طارق منذ نحو أسبوع، ولا أحد يعرف مكان احتجازه الآن، ولا سبب الإصرار على عدم الإفراج عنه رغم تقدم نقابة المحامين ببلاغ رسمي ضد وزير الداخلية يطالبها بإنهاء فوري لهذه المأساة.

 

أما أسرة طارق، فكأنه لا يكفي ما عانته من العذاب على مدى الأعوام الماضية. فبعد الجري بين أقسام الخانكة والمرج وعين شمس وإمبابة، يتلقون خبر أنه ربما يكون في سجن الكيلو عشرة ونص على طريق مصر- إسكندرية الصحراوي. وهناك يقولون للأسرة المكلومة: نعم كان عندنا، ولكنه تم ترحيله أمس لسجن آخر لا نعرفه!

 

ما يتعرض له طارق هو فعلا عبث وجنون، ولن يفيد القول أنه يمثل انتهاكا صارخا للدستور والقانون والمعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر. أي مواطن يمكن أن يتعرض لكل هذه البهدلة والتكدير وانتهاك أبسط حقوقه الأساسية في بلد تتصرف فيه الأجهزة الأمنية أنها فوق القانون، بل وتبدع في البحث عن كل الأساليب الممكنة للتنكيل بالمعارضين.

 

الآن لم يعد المطلب الملح هو إطلاق سراح طارق حسين، ولكن فقط تحديد مكانه لكي تتمكن أسرته والمحامين من تقديم ما يلزمه من أطعمة وأدوية ورعاية. تحدثت مع الجميع، ومنهم مؤيدين للرئيس السيسي، لأحكي لهم عن مأساة طارق. والكل متعاطف وغير مصدق. ولكن النتيجة في النهاية صفر، وتبقى مأساة المواطن طارق حسين قائمة، ولا يعرف أحد سوى الأجهزة الأمنية مكان احتجازه الآن.