قانون سكسونيا.. لأجل حماية الشعب والدولة !
صفوان محمد
28 مايو 2016في مصر بات كل ما هو مدهشًا حقيقة واقعة، وأصبح اللا معقول منطقًا متعارف عليه.. نظام فقد اتساقه مع ذاته، يتحدث عن العدالة وتخلو ساحته من تطبيقها، تمتليء مواد دستوره بالحديث عن الحريات والديموقراطيات، ولا تعرف مؤسساته شيء عن ما خط بالدساتير، نظام يرعاه جنرال يتحدث عن قوى خفيه تدبر الشر للبلاد في الوقت الذي تنزلق بنا تلك البلاد نحو المجهول.
لم أندهش قط طوال الثلاث سنوات المنصرمة من شيء قط قدر اندهاشي كلما قرأت وتمعنت في مواد الدستور المصري، وكلما قرأت مواده - خاصة المتعلقة بحرية التعبير والديموقراطية -، أتساءل لماذا لم يقم الجنرال عبد الفتاح السيسي حتى الآن بإعادة صياغته وتعديله؛ حتى تتسق مواده مع الواقع المصري، وحتى لا يترك الفرصة لأهل الشر ليطالبوا بحقوقهم التي كفلها مواده عندما يتم إنتهاكها !
لماذا لا تكون الدولة متسقة مع ذاتها، فعندما تُصادر الحريات، وتعتقل المعارضين، وتنتهك الحُرمات الخاصة بالمواطنين، تكتب دستورًا ينص على ذلك نصًا صريحًا وواضحًا.. الأمر غاية في البساطة، وفعلها من قبل هتلر ونظامه النازي، كان متسقًا مع ذاته أشد الاتساق، ووقع مرسوم حمل عنوان "لأجل حماية الشعب والدولة"، وعطل المواد السبع في الدستور التي تحمي الحريات الفردية والمدنية ووصف المرسوم بأنه "إجراءات دفاع وقائية ضد أعمال العنف التي يرتكبها الشيوعيون ومن شأنها تهديد الدولة بالخطر. وجاء فيه:
"إن القيود على الحرية الفردية، وعلى حق التعبير عن الرأي بحرية وبضمنه حرية الصحافة وعلى حقوق الإجتماع، والإنتماء إلي جمعيات، والرقابة على وسائل المخاطبات تليفونية وبرقية وبريدية وخرق حرمة سريتها، وأوامر التفتيش التي يزود بها متحرو المنازل وبيوت السكن، والأوامر الخاصة بمصادرة الملكية، فضلًا عن الأوامر بتحديد التصرف بها، كل ما تقدم بيانه مسموح به أيضًا خروجًا عن حدود القانون العام حسبما يتطلبة الحال.
لم يكتفِ هتلر بذلك بل سن مرسومًا يخول حكومة الرايخ سلطة مطلقة كاملة، وايقاع عقوبة الموت في عدد من الجرائم وبضمنها " تهديد السلامة العامة".
وبالفعل تم إلقاء القبض علي حوالي أربعة آلاف موظف شيوعي وعدد كبير من زعماء الديمقراطيين الإشتراكيين والأحرار ومن ضمنهم نواب الرايخشتاغ الذين ينص القانون علي حصانتهم ومنع إعتقالهم، وراحت لوريات مملوءة بجنود العاصفة تزمجر في الشوارع في كل أنحاء المانيا، فتقتحم البيوت عنوة وتجمع الضحايا وتنقلهم إلى المعتقلات، حيث تجري عليهم عمليات الضرب المبرح وفنون التعذيب، ومنعت الصحف الشيوعية من الصدور. وحرمت إجتماعاتهم السياسية بصورة باتة، وعُطلت عدة صُحف حُرة، وحظرت إجتماعات الأحزاب الديموقراطية أو فضت بالقوة، ولم يسمح بممارسة معركة الإنتخابات إلا للنازيين وحلفائهم القوميين، فقد تركوا دونما تعرض، وألغيت كل صحف الديموقراطيين الإشتراكيين. وهكذا بمنتهي اليُسر تمكن هتلر من خنق معارضيه وإعتقالهم كما يحلو له بطريقة قانونية.
صدقًا لقد سئمنا كثرة الحديث عن أن سيادة القانون هو أساس الحكم في الدولة، ونحن نرى بأم أعيننا أن الدولة لا تحترمه، وأن مفهوم القانون بالنسبة لها ما هو إلا مجرد شعار تلجأ إليه عندما تقتضي المصلحة، وخلاف ذلك يتم ضربه عرض الحائط، ومواد الدستور التي تُنتهك على مرأى ومسمع من الجميع، ولا يلتفت إليها أحد.
سئمنا قانون العصور الوسطى "سكسونيا" والذي يُعاقب المجرم بقطع رقبته إن كان من طبقة أفراد الشعب الذين لا ينتمون إلى طبقة النُبلاء، أما إن كان المجرم من طبقة النبلاء فعقابه هو قطع رقبة ظله.!! فيؤتى بالنبيل المجرم حين يستطيل الظل بعد شروق الشمس، أو قُبيل مغربها، فيقف شامخًا منتصب القامة مبتسمًا، ساخرًا من الجلاد الذي يهوي بالفأس على رقبة ظله، ومن جمهور العوام الذي يُصفق فرحًا بتنفيذ عدالة سكسونيا.
لقد سئمنا سكسونيا التي برأت مبارك ونظامه الفاسد الذي إغتال أحلامنا وحقوقنا طوال 30 عامًا، وجرم الثورة وشبابها الذين خرجوا دفاعًا عن الأرض والحق، سكسونيا التي صبت بقراراتها الإقتصادية في جيوب أصحاب المال والسلطة ودفعت بالبسطاء في مستنقع الفقر، سكسونيا التي دفعت بالفاسدين في مواقع إتخاذ القرار، وجبت بالشباب في غياهب السجون.