أمراض القوى الديمقراطية والفرص الضائعة
صفوان محمد
29 مارس 2016لا مراء أن الفاشيين القابضين على الحكم في مصر، يُبررون العنف باعتباره وسيلة لبناء نظام جديد، فهم يرسخون نظام قامت الثورة عليه، وأُعيد إلى السلطة بطريقة أو بأخرى، ويعملون على اجتثاث من يُعارضون الإرادة العامة "أي الشعب" لأنهم يعتقدون أن إرادتهم من إرادة الشعب، يتحدثون ويرتكبون كل أشكال وأنواع القمع باسم الشعب.
وبرغم إفلاس نظام عبد الفتاح السيسى سياسيًا وإقتصاديًا، إلا أنه يستمد قوته وسلطته من الطاعة والتعاون الذي يحصل عليه من أصحاب المصالح، ويعمل بشكل مستمر على لا عقلانية الجماهير، وترسيخ تلك المقولة التى لا يمل من تكرارها في أذهان الناس؛ أن بقائه في الحكم يمنع انزلاق مصر إلى حالة الفوضى والدمار السائدة في ليبيا وسوريا أو العراق.
إن عدم وضوح الرؤية وتحديد الهدف والتشتت، آفة القوى السياسية في مصر، ومثلث فشل المعارضة في خلق قاعدة ثورية تنطلق منها لمواجهة بطش النظام، حتى أضحت قوى مُفتتة وهشة، ترتكن دائمًا لمواطن الضعف، ولا تستغل مواطن القوة لتصنع تغيير بين القاعدة الشعبية.
ولعل عدم فهم القوى المطالبة بالديمقراطية في مصر بطبيعة الصراع وحجمه مع النظام الحالي، وعدم إدراكها وسائل مواجهة الخصم المستبد، جعلها مشوشة الرؤية بلا هدف ودون استراتيجية واضحة ومحددة، رغم توافر قاعدة انطلاقها المتمثلة في إفلاس هذا النظام.
لذا يجب علينا التعرف على المؤشرات ذات الصلة بنقاط القوة لنظام عبد الفتاح السيسي، وهى قليلة للغاية، ومواطن الضعف الخاصة بالقوى المطالبة بالتغيير.
* من أهم عناصر نجاح أي حركة تسعى إلى تحرر الوطن، والتى تفتقدها القوى المطالبة بالديمقراطية في مصر، عدم فهم طبيعة الصراع وحجمه، وطريقة مواجهة الخصم المستبد، وبالتالي عدم وضوح الرؤية والهدف لوضع إستراتيجية واضحة ومحددة تسير عليها القوى السياسية، ولا يوجد فهم عميق لتقييم الوضع الحالي، لاختيار أفضل الطرق لمواجهة بطش النظام.
* الدوجماطيقية.. يعتقد كل فصيل سياسى بأنه صاحب الحق المطلق، وينحاز بشكل أعمى للأيديولوجية السياسية التي يتبناها، ومع تعدد الأيديولوجيات، وعدم مقدرتها على المرونة أو التنازل في بعض الأحيان للوصول إلى نقاط اتفاق، تتنافر القوى السياسية فيما بينها، ويصيبها الوهن والشقاق، بالإضافة إلى الشللية، واختراق الأجهزة الأمنية لشباب القوى المدنية، مما يعيق التيار بشكل عام.
* في ظل وجود نظام الحكم الشمولي، ضعفت القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، والمعارضة بشكل عام؛ ونتج عنه عدم إحداث تغيير في موازين القوى.
* اعتماد القوى السياسية على الخطأ الشائع، وهو الاعتماد على حصر النضال السياسي ضده واقتصاره على المظاهرات والإضرابات، مع إغفال العديد من الوسائل والأساليب التي يجب التركيز عليها.
* ندرة الكوادر الشبابية لندرة المعرفة والممارسة، وغياب التسيس لعقود، وعدم وجود أرضية حقوقية مشتركة أو برنامج عمل يمكن الاتفاق من خلاله على صياغة مبادىء عامة تكون جامعة وشاملة تسير عليها القوى السياسية. ولأن الشباب المطلوب مشاركتها تكون أكثر رغبة وأكثر قدرة على العمل عندما تكون على دراية ومعرفة بالاستراتيجية أو برنامج العمل، حيث أنه سيكون لهذه المعرفة تأثيرًا إيجابيًا على معنوياتهم، وعلى رغبتهم في المشاركة وعلى التصرف كما ينبغي.
* عدم الانخراط مع الأطراف التي لها دور غير مباشر في الصراع، كالنقابات المهنية والعمالية وغيرها، - أو على أقل تقدير تحييدها -، وإصرار قوى المعارضة على تحويلها إلى صراعات سياسية وصدامية بشكل مباشر مع رأس النظام، مما يجعل تلك الأطراف تخشى التعاون مع القوى المطالبة بالتغيير.
* عدم تحديد نقاط ضعف نظام عبد الفتاح السيسي، واستغلال مساحة التأثير والتمدد التي تُحدثها قوى المعارضة، ومن ثم تحويلها إلى نقاط قوة تتيح لها الضغط على النظام الحاكم، وإرغامه على تنفيذ مطالبها.
* برغم عزوف كثير من المصريين عن مشاهدة الإعلام المصري، إلا أن هناك قطاعًا لا يُستهان به واقع تحت نير كذب هذا الإعلام، ليس لثقتهم فيما يقدمونه من برامج وأخبار، ولكن لعدم وجود منبر حقيقي يحترم عقول الجماهير - وهو ما فشلت الثورة في تقديمه حتى هذه اللحظة-، منبر يمدهم بالمعلومات والأخبار دون محاباة لطرف على حساب طرف آخر، ليس له أجندة سوى مصلحة الوطن، يكشف الحقائق دون تزييف أو تجميل، ويُنير بصائر الواقعين تحت تأثير أبواق إعلامهم المضلل.
* يمتلك نظام عبد الفتاح السيسى أدوات البطش بالتفوق العسكري؛ مما يتيح له القدرة على سحق معارضيه سواء بالقتل أو التعذيب، هذا بخلاف الملاحقات الأمنية وحملات الاعتقالات والمضايقات التي يتعرضون لها.
* تدجين المؤسسات الدينية، واستخدامها كأداة لقمع الآراء المخالفة، عن طريق إصدار الفتاوى المؤيدة للنظام، وأن يبسط مشايخ السلطة وقساوسة الدولة لسلاطينهم المباسط ليمروا عليها بسلام دون أن يعترضهم أحد. فهم يصمتون عندما تُراق الدماء على يد السلطة، ولا يروا في القتل جريمة يندى لها الجبين، ليستغلوا بذلك سلطتهم الدينية والروحية لتبرير تلك الأفعال القمعية عند العامة.
أصبحت الحاجة مُلحة لوضع استراتيجية واضحة ومحددة تسير عليها القوى السياسية، لمواجهة بطش النظام، هذه القضية تفرض نفسها الآن وبقوة، لتجبر القوى الوطنية على التوحد، ولو رغمًا عنها، والتركيز على مهمة بناء دولة تعددية ديمقراطية موحدة تكون بديلًا لدولة الطغيان، وأن تتخذ خطوات شجاعة على طريق التوحد والتقارب ودحر أسباب الفرقة ودوافعها.. لا بد من كسر حالة الجمود التي فرضها نظام عبد الفتاح السيسي الاستبدادي، وأدت إلى هذا الضعف والتشرذم والانقسام، وهذا لا يتحقق إلا بالتفكير لمنع التداعي واستعادة المبادرات التى تفضي تدريجيًا إلى التحرر من الاستبداد والديكتاتورية.