هذه الحكايات لا تجعلني ملاكًا

هذه الحكايات لا تجعلني ملاكًا

نورا ناجي

نورا ناجي

31 مارس 2017

(1)

في زحام معرض الكتاب، تحاول طفلتي التسلل من جواري، فأصرخ فيها بعنف، ترتجف الصغيرة وتقف ثابتة فتنظر لي فتاة أعرفها عن طريق الفيسبوك بتعجب، نظرتها تقول الكثير، تقول لم أحسبك أما متوحشة مثل الباقيات، مع كل الصور التي تنشريها لك ولطفلتك، وقصص كفاحك معها، وكأنك أم ملاك!

 

لا أحاول تبرير موقفي ولا شرح العكس، الحقيقة أرتاح بعض الشيء لانتفاء صفة "الملاك" عني، لا يوجد شخص ملاك حتماً، وكل الحكايات التي تقال عني أو عن آخرين لا تثبت ذلك.

 

تعاني السيدات في مصر أشد المعاناة، لأنهن يبررن أفعالهن دوماً، هناك دائماً مراقب ما سواء من العائلة أو خارجها يترصد لهن بالمرصاد.

 

(2)

في السعي نحو الكمال، تعاني السيدات في مصر أشد المعاناة، لأنهن يبررن أفعالهن دوماً، هناك دائماً مراقب ما سواء من العائلة أو خارجها يترصد لهن بالمرصاد، شخص ما يعيّن نفسه خفيراً على الأخلاقيات، تتصبب أحدهن عرقاً لو اضطرت للمشي في الشارع بحذاء غير لامع وكأن هذا شيئاً يعيب أنوثتها، في حين يسير الرجال بأسوأ هيئة دون مشاكل.

 

في حديث لي مع صديقة، اكتشفت أن نسبة إزالة الشعر بالليزر في تزايد مستمر، أفكر أن في الدول الغربية لا تضطر المرأة للمرور بكل هذه المعاناة لنيل رضا الرجل، حتى أن إزالة الشعر عن المناطق الحساسة ليس أمراً متداولاً، هناك تفتخر المراة بأنوثتها، أو على الأقل لا تخجل منها، بالنسبة إليهن الأمر لا يتعدى التشذيب، أما الإزالة التامة وكأنها رضيعة فأم يصير الضحك أكثر، إنها أنثى ناضجة وهكذا خلقها الله، فلم تتكبد كل هذا في سبيل أمر طبيعي غير منفر.

 

(3)

يطلب مني شخصان مختلفان في فترات متقاربة زيارة الطبيب النفسي، والسبب هو غرابة أطواري وتقلبات مزاجي الحادة، أفكر هل أنا فعلاً في حاجة لزيارة الطبيب؟ الأمر الذي لا أجده عيباً بالمناسبة، لكن زيارته بالنسبة لي لن تكون بهذا السبب، فأنا في الواقع معجبة بتقلباتي المزاجية وبغرابة أطواري، أنا متعايشة تماماً مع ذلك، أحب ذلك وأفخر بذلك، لأن غرابة الأطوار هي في الحقيقة شخصيتي الطبيعية، لا مجال عندي للتصنع أو ادعاء الرقة والاهتمام، عندما أكون ساخطة أعبر عن ذلك، عندما أريد أن أبقى وحدي أقول لك، أحب صنع أشيائي بنفسي، أحب الاعتماد على نفسي وليس على شخص آخر، لأن في معظم الأحوال يخذلني الآخر، فلماذا أسمح لنفسي بالاعتماد على شخص سيخذلني حتماً ذات يوم لسبب أو لآخر؟

 

تتصبب أحدهن عرقاً لو اضطرت للمشي في الشارع بحذاء غير لامع وكأن هذا شيئاً يعيب أنوثتها، في حين يسير الرجال بأسوأ هيئة دون مشاكل.

 

هناك مشكلة كبيرة في تعامل المرأة مع أنوثتها في المجتمعات العربية، إنهن يعتقدن بأن الرقة تعتمد على الضعف والاحتياج، الضعف مثير بالطبع لدى الرجل، من يستطيع مقاومة أنثى تستنجد به؟ لكن الحقيقة أن هذا الضعف يجب أن يكون نقطة من نقاط قوة المرأة، وليس طبع حقيقي فيها.
 

أسمع حكايات عن السيدات اللاتي لا يذهبن إلى أيّ مكان دون أزواجهن، لا تشتري شيئاً من السوبر ماركت إلا وهو معها، لا تذهب للطبيب مثلاً إلا بصحبته، وأتعجب للغاية، ماذا سيفعلن لو شاءت لهن الظروف بالبقاء وحدهن أحياناً، هذا الاعتماد الكلي يجعلهن أحياناً قابلات للاستمرار في علاقات فاشلة لأنهن لا يعرفن كيف يتصرفن وحدهن.

 

الاستقلال ليس جسدياً فقط، إنه نفسي بكل تأكيد، لا مانع أن تكوني أنثى رقيقة وقوية في ذات الوقت، لا مانع أن يصف الآخرون قوتك بغرابة الأطوار، لمجرد أنك تقولين رأيك الحقيقي بقوة، تريدين أن تكوني حرة، تفعلي الأشياء التي تريدينها في الوقت الذي تريدينه، إنهم لم يعتادوا بعد على الأنثى القادرة على فعل ذلك، الجميع من حولك يعتقد أنك مكسورة الجناح، فاثبتي لهم العكس.