في عيدهم
القبضة الأمنية «تخنق» الحراك العمالي.. والمستقبل بين 3 سيناريوهات
على الرصيف المقابل لمبنى مجلسي النواب والوزراء بوسط القاهرة، مهدت الحركة العمالية بمطالبها الاجتماعية والاقتصادية لثورة الخامس والعشرين من يناير التي انطلقت من ميدان التحرير ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وتحت شعار الثورة الأبرز "عيش..حرية ..عدالة اجتماعية"، انتزع العمال في 2011 عقب الثورة مباشرة بعض حقوقهم التي حرمهم منها نظام مبارك، لكن المشهد الثوري لم يدم طويلا.
المشهد انقلب رأسا على عقب بعد 30يونيو 2013،إذ بدأ الحراك العمالي في التراجع تدريجيا حتى شهد عام 2016 والربع الأول من 2017 تراجعا حادا للحراك عكس التوقعات خاصة بعد حزمة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في 3نوفمبر 2016.
تراجع الحركة
وارتفعت أسعار السلع الأساسية والخدمات بعدما قررت الحكومة تحرير سعر صرف الجنيه ورفع الدعم تدريجيا عن الطاقة في 3 نوفمبر الماضي تطبيقا لشروط صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 12 مليار دولار لسد عجز الموازنة.
مؤشر الديمقراطية وهو مؤسسة غير رسمية معنية برصد الحراك الاحتجاجي في مصر منذ 2010 رصد 72 احتجاجًا لعمال المصانع و الشركات والقطاع الطبي والهيئات الحكومية للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية في الربع الأول من 2017.
في الفترة ذاتها من العام الماضي، رصد المؤشر 395احتجاجًا لعمال المصانع والشركات والهيئات الحكومية والقطاع الطبي والتعليم والنقل، بعكس 2015 الذي شهد ربعه الأول 323 احتجاجًا، بينما شهد شهرا يناير وفبراير فقط من عام 2014 739 احتجاجًا، بحسب مؤشر الديمقراطية.
التباين الحاد في مؤشرات الحراك الاحتجاجي العمالي في ظل تطبيق الإجراءات التقشفية وتراجع بيئة العمل أرجعته مؤسسة مؤشر الديمقراطية في تقريرها المنشور مؤخرًا على موقعها الإلكتروني إلى سياسات واضحة تحول دون تعبير المواطن عن مطالبه،إذ استخدمت السلطات طرقًا مختلفة لغلق كافة متنفسات الاحتجاج، بحسب المؤشر.
لماذا يتدخل الأمن في القضايا العمالية ؟
النظام الجديد الذي أمسك بزمام الأمور بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3يوليو 2013 عاود إدارة المشكلات العمالية باعتبارها تهدد الأمن القومي فأطلق يد السلطات الأمنية. بحسب مراقبين.
الفئات المحتجة خلال الربع الأول من 2016
التدخل الأمني
واشتدت وطأة التدخل الأمني منذ النصف الثاني من 2016 حتى الربع الأول من العام الجاري،إذ تعرض 26 عاملا من شركة الترسانة البحرية بالأسكندرية للمحاكمة العسكرية واستمر 14عامل قيد الاحتجاز لنحو أربعة أشهر بتهمة التحريض على الإضراب بعد احتجاجهم في 23 مايو الماضي على تردي أوضاعهم المادية.
عمال الترسانة البحرية ..الأهالي يطرقون أبواب الأمل بقلوب موجوعة
تقديم عمال الترسانة للمحاكمة العسكرية صدم الأوساط العمالية، لكن الدولة لم تمهلهم،إذ ألقت قوات الأمن القبض على 6 من عمال النقل العام في 24 سبتمبر الماضي بتهمة التحريض على الإضراب بالتزامن مع بداية العام الدراسي تراوحت مدة احتجازهم بين 4 و 6 أشهر.
ظن عمال شركة أفكو للزيوت بمحافظة السويس أن احتجاجهم على التوزيع غير العادل لبدل غلاء معيشة سيجعلهم بمأمن من تهم التحريض على الإضراب و التجمهر، لكنهم فوجئوا بمثول 19 منهم أمام المحكمة بالتهم ذاتها في يناير الماضي، لكنهم حصلوا على البراءة.
بالتفاصيل| محاكمة 19 عاملًا بتهمة التحريض على الإضراب بـ«إفكو للزيوت» في السويس
قبل عدة أيام،ألقت قوات الأمن على 17عاملا بالشركة المصرية للاتصالات بعد تظاهرهم لساعة واحدة أمام مبنى المقر الرئيسي للشركة بشارع رمسيس في 24 أبريل للمطالبة ببدل غلاء معيشة ، لكن النيابة أخلت سبيلهم في اليوم التالي.
القبضة الأمنية لم تقتصر على العمال المتظاهرين المطالبين بتحسين أوضاعهم المادية، لكنها وصلت إلى منع أي من الناشطين في الحركة العمالية (نقابات ومراكز وأحزاب) من تنظيم احتفالية عيد العمال هذا العام خارج مقارهم،بينما يقتصر الاحتفال الرسمي الذي يحضره الرئيس اليوم الأحدعلى قيادات الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (الحكومي).
في عيدهم.. العمال يبحثون عن مقر للاحتفال
قانون الطوارىء
ويتخوف ناشطون ونقابيون من تقييد الحراك العمالي بمزيد من القيود بعدما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي حالة الطوارىء لثلاثة أشهر عقب تفجيرات كنيستي طنطا والأسكندرية التي أوقعت عشرات الضحايا و المصابين في مطلع أبريل الجاري.
طلال شكر- نقابي- يقول إن الحراك العمالي تأثر سلبا نتيجة استخدام السلطات لسياسة القبض على العمال وتوجيه التهم إليهم،مشيرا إلى إصرار الدولة على إغلاق المجال العام،مؤكدا أن احتفال السيسي بعيد العمال في فندق الماسة رسالة قوية للعمال، لذلك لا يستطيع شكر توجيه اللوم لهم.
ويضيف شكر لـ"مصر العربية" أن النظام لايستطيع سحق الحركة العمالية نهائيا ولابد أن يكون هناك حراك مقاوم غيرمعلن بدرجة ما داخل المصانع و الشركات حسب الأوضاع خاصة في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار في ظل ثبات الرواتب .
فترة استثنائية
بينما يرى هشام فؤاد عضو حملة نحو قانون عادل للعمل أن النظام الحالي يريد تجفيف منابع الحراك العمالي من خلال إلقاء القبض على العمال والتنكيل بهم ورفض الاستجابة لمطالبهم حتى لا يمنحهم الثقة بأنفسهم بشكل استثنائي غير مسبوق في تاريخ الحركة العمالية المصرية.
فؤاد يؤكد لـ"مصر العربية" استحالة المقارنة بين النظام الحالي ونظام مبارك في التعامل مع الحركة العمالية، إذ ساعدت حينها الانقسامات داخل جهاز الشرطة ووجود وسائل إعلامية مختلفة وكذلك وجود مناخ سياسي متحرك ومراكز حقوقية على منح العمال هامش من الحركة.
ورغم القمع، بحسب هشام فؤاد، لم يصل منحنى الحراك العمالي إلى مستوى التسعينات التي لم تكن تشهد 100 احتجاج على أقصى تقدير، ويشير فؤاد إلى أن الحراك العمالي جزء من حراك المجتمع المقاوم بشكل عام.
غير أن النقابي البارز طلال شكر يرى صعوبة استشراف مستقبل الحركة العمالية في ظل القبضة الأمنية الفترة المقبلة، حيث يحتاج الأمر إلى معرفة طبيعة التشريعات العمالية التي سيصدرها البرلمان- الذي يسيطر على مقاعد لجنة القوى العاملة به قيادات الاتحاد الحكومي- في الفترة المقبلة، لكنه يرجح أن يصمت العمال خوفا إلى حين تتوفر الفرصة المناسبة.
3سيناريوهات
لكن الناشط العمالي هشام فؤاد يعتقد أن هذا التضييق يدفع إلى ثلاث سيناريوهات مستقبلية حددهم على النحو الآتي: السيناريو الأول أن ينتصر الخوف، بحيث يصمت العمال تماما، أما السيناريو الثاني فهو أن تدهور الأحوال الاجتماعية بشكل يدفع إلى استكمال الحركة لأدواتها الناقصة، فيما يتمثل السيناريو الثالث في الانفجار، حيث تخرج الجماهير في تظاهرات شعبية عفوية بدون ترتيبات مسبقة .
يدعو هشام فؤاد القوى الاجتماعية إلى تبني السيناريو الثاني من خلال استكمال الأدوات الناقصة التي تبدأ ببحث عوامل الضعف وتقويتها مثل وجود محاميين ودراسة كيفية الحفاظ على القيادات العمالية و دراسة أسباب فشل الاحتجاجات.
ويشير فؤاد، عضو حملة نحو قانون عادل للعمل، إلى ضرورة استغلال الحركة العمالية و الاجتماعية للفترة المقبلة، إذ من المرجح أن تشهد انفراجة في المشهد السياسي، مع اقتراب انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في يونيو 2018، بشكل قد يكون مفيدا للحركة العمالية وإعادة ترتيب أوراقها.