هذا هو الحب

أسامة غريب يكتب

هذا هو الحب

أسامة غريب

أسامة غريب

20 مايو 2015

كان المخرج صلاح أبو سيف يأخذ لقطات من الحياة و يبني عليها أفلاماً ميّزته كأحد رواد الواقعية في السينما المصرية.

 

من هذه الأفلام واحد اسمه "هذا هو الحب"بطولة يحيي شاهين و لبني عبد العزيز..الفيلم يحكي حدوتة رجل أحب جارته في البلكونة المقابلة ثم أرسل أمه لخطبة الفتاة من أهلها. هنا وجد أبو سيف فرصة طيبة ليقدم للمُشاهد عام 58 نموذجاً كلاسيكياً للأم التي تقوم بتقليب البضاعة لاختبار أصالتها، فتعطي الفتاة حبة بندق لتكسرها بأسنانها، كما تمسك بشعرها لتعرف إذا كان طبيعياً أم باروكة إلي آخر ما كانت الأمهات يفعلنه في الزمن الماضي عندما كانت فرصة العريس محدودة في اختبار جودة العروس بنفسه!.قامت ماري منيب بدور أم العريس فأضفت بأدائها المميز علي الفيلم بعداً فكاهياً يعادل رصانة أم العروس (فردوس محمد).

 

بعد ذلك ينتقل المخرج إلي جزء آخر واقعي بعد أن تم الزواج هو غيرة الزوج الذي لا يحتمل فكرة أن تكون لزوجته في السابق قبل أن يعرفها علاقة بأحد زملاء أخيها، و هو الأمر الي يؤدي إلي أن يطلقها و لم يمض علي ارتباطهما أيام قليلة. جسّد الفنان يحيي شاهين دور الزوج الغيور الذي يريد أن يكون الأول و الوحيد الذي تتفتح مشاعر الفتاة عليه، و لا يستطيع أن يهضم فكرة أن هناك من مر بخيالها قبله. المهم أن غيرته أفسدت العلاقة و قادت إلي نهايتها المبكرة فكان الطلاق و عودة البنت لبيت أبيها قبل انقضاء شهر العسل.

 

يصور الفيلم بعد ذلك عذاب الرجل الذي كان لا يزال يحب الفتاة و مع ذلك يقاوم رغبته الشديدة في إعادتها لعصمته، كما يصور الفتاة تجتر تعاستها بعد أن تخربت حياتها دون ذنب جنته. يحاول أصدقاء العريس (عبد المنعم إبراهيم و عمر الحريري) التوفيق بينهما من جديد فيأخذانه إلي المستشفي لزيارتها بعد أن سقطت فريسة للمرض من شدة الحزن لكنه يتمسك بموقفه و يظل معتصماً بالكبرياء و الصلف، رافضاً فكرة إعادتها لعصمته.

 

تيأس الفتاة و أهلها منه و يتأكدون من استحالة أن يعود إلي رشده و يعيدها إلي بيته، ثم تتطور الأحداث بعد ذلك و يتقدم لخطبتها رجل آخر فتوافق و تستعد للزواج من جديد.. و في ليلة الفرح ترتدي العروس الفستان الأبيض و نري العريس يجلس مع والدها و إلي جوارهما المأذون.

 

في الشقة المقابلة عبْر الشارع نلمح الزوج السابق يجلس بين صديقيه تفترسه الحسرة و يكاد يموت كمداً و هو يري حبيبته التي أضاعها بعناده علي وشك أن تنطلق لبيت جديد و تبيت في حضن رجل آخر. و بينما يهم المأذون بفتح دفتره و يستعد للقيام بإجراءات عقد القران نفاجأ بالعروس تنطلق هاربة إلي المنزل المقابل حيث يستقبلها طليقها فاتحاً ذراعيه، و تعود إليه وسط فرحة الأهل و الأحباب، و توتة توتة فرغت الحدوتة.

 

ليس الغرض من هذا الكلام أن أحكي للقراء الفيلم الذي يحفظونه عن ظهر قلب و لا أن أشيد بتميز صلاح أبو سيف (و هو حقيقي) لكن الغرض هو أن أعرض جانباً لم يلتفت إليه أحد في غمرة انشغالهم بالرجل و فتاته. هذا الجانب يتعلق بالخطيب الجديد الذي قام الفيلم بتهميشه فلم يقدم عنه أي تفاصيل باستثناء أنه رجل مهذب تقدم للفتاة و وافق أبوها. هذا الرجل كان يجلس إلي جوار والد العروس يتوسطهما المأذون و كان بينه و بين أن يصبح زوجاً للبطلة ثوان معدودة.

 

فجأة يجد نفسه لا شيء كأنه طيف تلاشي، بينما بطل و بطلة الفيلم يستمتعان بأحضان العودة لبعضهما وسط فرحة الأهل و الأصدقاء. صحيح أن الإنشغال بهذا الرجل كان من شأنه أن يفسد فرحة المشاهدين بعودة المياه لمجاريها بين بطلي الفيلم، و صحيح أن التركيز و لو قليلاً علي هذا الرجل كان من شأنه أن يميّع التكثيف الذي قصده المخرج لمشاعر البطلين و يسحب من التعاطف مع قصة حبهما، لكن المشكلة أن متفرجاً مزعجاً مثلي شعر بغضب و بتعاطف لا حدود له مع هذا الخطيب المجهول الذي تصرف منذ البداية بنبل و شرف فدخل البيت من بابه و طلب الفتاة في الحلال و لم يجد غضاضة في الارتباط بمطلقة بما يدل علي سعة أفقه و رجاحة عقله، ثم حظي بموافقتها و أهلها و لم يرغمهم علي القبول به..و المشكلة أن أحداً لم يلتفت إلي أن هذا الرجل لا بد قد سهر في الليالي السابقة يحلم بأيام جميلة تجمعه بعروسه و لا بد أنه خطط و حجز لشهر العسل و تكبد مجهوداً و نفقات، و ضروري أنه أحضر أهله و حبايبه و أصدقاءه إلي العُرس. ما ذنب هذا الرجل الذي لا يستحق أبداً كل هذا الظلم و الإهانة و التهميش؟ و ماذا يكون موقفه و عروسه تفر منه أمام الناس؟ و هل من العدل إيذائه في مشاعره بهذه القسوة لصالح البطل الأناني التافه السخيف الذي لم نر بالفيلم سبباً وجيهاً واحداً يدفعنا لمحبته أو التعاطف معه؟.

 

لو كان صلاح أبو سيف علي قيد الحياة لكتبت له فيلماً واقعياً آخر يبدأ من يوم عودة البطل لحبيبته أروي فيه حدوتة درامية لرجل آخر أهمله أبو سيف لصالح بطله الأناني المختل!.