ماذا بعد هزيمة داعش؟
أسامة غريب
13 يوليو 2017
الآن والموصل قد تحررت تقريباً والرقة توشك على أن تلحق بالأراضي التي فقد تنظيم داعش السيطرة عليها فإن الأمريكان لا يبدون سعداء. لقد شكّلت أمريكا تحالفاً عظيماً من ستين دولة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ولقد ذكّرنا هذا بالتحالف الذي حاربت تحت رايته أمريكا وبريطانيا و فرنسا وبقية دول العالم الحر في الحرب العالمية الثانية ضد هتلر وألمانيا النازية!.
إلى هذا الحد تبلغ قوة الدواعش؟ إلى حد اصطفاف ستين دولة ببوارجها وطائراتها لقصف هذا التنظيم على مدى السنوات الثلاث الماضية؟ ولماذا بعد أن تحقق المراد أو أوشك نرى كل هذا السُعار في الموقف الأمريكي ومحاولة سد فراغ داعش بأي ثمن؟
إذا جاز لنا أن نستعرض الأفعال والتصريحات التي قدمها القادة الأمريكان لبيان قوة تنظيم داعش وصعوبة القضاء عليه فإننا يمكن أن نسوق الآتي:
- في سبتمبر 2014 قامت الولايات المتحدة بتشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش.
- في أكتوبر 2014 صرح باراك أوباما بأن مهمة القضاء على التنظيم لا تزال صعبة.
- في أكتوبر 2014 صرح وزير الدفاع الأمريكي السابق بأن الحرب على داعش ستستمر 30 عاماً.
- في يوليو 2015 أدلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية حينئذ ريمون أوديرنو ببيان عبّر فيه عن اعتقاده بأن هزيمة داعش قد تحتاج إلى زمن ما بين عشرة إلى عشرين سنة.
- في أغسطس 2015 نشر تقرير للمخابرات المركزية الأمريكية وبه إشارة إلى أن القضاء على داعش سيستغرق 20 عاماً.
- في نوفمبر 2015 يقول الرئيس أوباما إن القضاء على تنظيم داعش بسوريا يحتاج إلى ثلاثين عاماً.
- في يناير 2016 يصرح مايكل موريل الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية بأن مشاركة الولايات المتحدة بالحرب ضد مسلحي تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية بسوريا والعراق قد تستمر لما بين عشرة وعشرين عاماً.
- في أغسطس من عام 2016 يقرر أوباما أن القضاء على تنظيمي داعش والقاعدة لن يتم إذا لم تتوقف الحرب الأهلية في سوريا.
كل هذا وأكثر منه كنا نقرأه طوال السنوات الماضية والدهشة تعترينا. لم نكن نفهم كيف يمكن للقوة الأمريكية الجبارة ومعها إمكانات 60 دولة أن تعجز عن دحر قوات إرهابية محدودة العدد والتسليح مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وكنا نبحث في تسليح هذا التنظيم وأماكن تمركزه ووسائل تمويله فنجد أنه لا يمتلك سلاح طيران ولا يمتلك دفاع جوى سواء ثابت أو متحرك وليس لديه دبابات غير التي غنمها في معاركه مع جيشي سوريا والعراق، وهي دبابات بلا قطع غيار. لا يمتلك كذلك صواريخ فتاكة يمكن أن تحسم المعارك، ليس لديه مواني بحرية يمكن أن تتمركز بها سفن وبوارج حربية. كل ما يمتلكه عبارة عن عربات جر رباعي يضع عليها قواذفه ورشاشاته، غير أحزمة ناسفة يرتديها مقاتلوه الإنتحاريين. الفجوة شديدة الاتساع إذن بين هذا التنظيم الضعيف المتحمس وبين خصومه الأشداء، فما حكاية ثلاثين سنة وعشرين سنة وعشر سنين التي صارت تتردد على ألسنة المسؤولين الأمريكيين بالتبادل لمدة ثلاث سنوات؟
هذا الموضوع تلخصه صحيفة الديلى تلجراف البريطانية بنتيجة مؤداها أن هزيمة داعش والقضاء عليه لا يخدمان أهداف السياسة الأمريكية!. ونستطيع أن نزيد على هذا أن الأمريكان هم الذين أنشأوا هذا التنظيم ورعوه وتركوا حلفاءهم الخليجيين يزودوه بالسلاح والمقاتلين، كما سمحوا للأتراك بأن يفتحوا لرجاله بوابات العبور إلى سوريا بالذات.
اليوم بعد أن تم دحر التنظيم الإرهابي على يد الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي وتم طرده من الموصل نجد القوات الأمريكية تتحرك من داخل الأردن ومن داخل العراق على عجل لمحاولة تعطيل القوات العراقية ومنعها من الوصول إلى الحدود السورية وكذلك محاولة منع الجيش السوري من بسط نفوذه على الحدود مع العراق، تلك المحاولات التي وصلت إلى إسقاط طائرة سورية من طراز سوخوي لأنها تجرأت وقصفت إرهابيين داخل حدود سوريا! كان الأمريكان يعتمدون على الدواعش لسنوات في منع التواصل بين سوريا والعراق لأجل غل يد إيران عن الوصول إلى لبنان ومن ثم للحدود مع إسرائيل.
الهدف إذن من كل هذا العذاب الذي تكبده الشعب العراقي والشعب السوري هو حماية إسرائيل، ولأجل هذا الهدف يتم إنشاء تنظيم إرهابي والنفخ فيه والاشتغال إعلامياً على تبيان قوته ومنعته وصعوبة ملاقاته فضلاً عن دحره وهزيمته!..
محاولات فجة اشترك فيها قادة على أعلى مستوى سياسي وعسكري في الطاقم الأمريكي لأجل إقناع الشعوب العربية بأسطوانة داعش الذي يحتاج عشرات السنين للقضاء عليه. ويبدو أن التحالف الإيراني السوري العراقي مدعوماً بميلشيات حزب الله والحشد الشعبي قد أظهروا تهافت ادعاء الأمريكان وسخافة أسطوانته المشروخة، وهو الأمر الذي جعل هؤلاء يستبدلون الدواعش المهزومين بقوات سوريا الديموقراطية (الأكراد) لملء هذا الجزء في الرقة ومحيطها حتى لو كلفهم هذا التضحية بالحليف التركي الذي يتوجس من هذه القوات ويعتبرها تنظيماً إرهابياً يتعين القضاء عليه! ليس هذا فقط لكن يناصر الأمريكان وبوضوح غير مسبوق قوات جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) في الجنوب بدرعا عندما يوشك الجيش العربي السوري على إلحاق الهزيمة بهم، بينما تتدخل إسرائيل بين حين وآخر بتوجيه ضربة لكل من يقترب بسوء من نفس التنظيم الإرهابي!
المعركة في الفترة القادمة قد تزداد سخونة إذا لم يفلح الأمريكان في صناعة تنظيم إرهابي بديل للدواعش لأنهم قد يضطرون في هذه الحالة إلى التدخل مباشرة بقواتهم لمنع سوريا من السيطرة على حدودها مع العراق وكذلك منع العراقيين من فتح المعابر ما بين البلدين الشقيقين.