بين السيسي ونجيب محفوظ!
سليمان الحكيم
27 يناير 2018
في حواري مع الإعلامي محمد ناصر الذي أجريته في اسطنبول منذ ثلاثة شهور مضت، توقعت ألا يلجأ نظام السيسي لإجراء انتخابات تتسم بشيء من الديمقراطية تجنبا لإظهار شعبيته المتدنية في أوساط الجماهير ورفض الأغلبية منها لاستمراره في الحكم، وتصورت أكثر من سيناريو لإخراج هذا المشهد.
ولكن لم يكن من بينها سيناريو واحد يتسم بهذا القدر من الفجور الذي نراه في المشهد الحالي الذي تم الاتفاق عليه بين أركان النظام، ربما لأني كنت حسن النية في قدرة المخابرات وهو اللاعب الأساسي في نظام السيسي على إخراج سيناريو يتسم ببعض المنطق الذي يسمح بتمريره داخليا وخارجيا.
كان من الممكن – مثلا – ألا يقحم الجيش نفسه كطرف في عملية إقصاء المرشحين وإزاحتهم من أمام السيسي، على أن تتولى لجنة الانتخابات المعينة من قبل السيسي نفسه تنفيذ هذه الخطوة كما حدث في انتخابات سابقة حين أزاحت اللجنة عددا من المرشحين لأسباب زعمت أنها قانونية لمخالفتهم شروط الترشيح.
كما كان من الواجب على السيسي نفسه ألا يقحم نفسه كطرف مشارك وصاحب مصلحة في إزاحة بعض المرشحين من أمامه حين صرح بأنه لن يسمح لأحد الفاسدين بالوصول إلى كرسي الحكم وهو ما أظهر نية تدخله الفج والسافر في انتقاء المرشحين الذين يسمح لهم بمواجهته في الانتخابات القادمة، دليلا آخر على استبداده وديكتاتوريته التي كانت لاتزال لدى البعض من حسني النية أو أصحاب المصلحة لا ترقى إلى الشك، جاء السيسي ليؤكدها بنفسه ويوقع مؤيديه وأنصاره في حرج بالغ.
هكذا لم يبق السيسي على سبب واحد يدعو البعض لتأييده والوقوف بجانبه، وقد تفوق بذلك على منطق مشاهير الفتوات في روايات نجيب محفوظ، الذين كانوا يقبلون بالمنازلة مع بعض منافسيهم على زعامة الحارة التي كانت تؤول للفائز فيها أمام شهودها من أهل الحارة جميعا، ليأتي فتوة جديد بالفوز على فتوة قديم.
وقد وصل الحال بالسيسي الآن للبحث عن فتوة مزعوم من قليلي الحيلة لمنازلته في مشهد هزلي يليق بفتوة لا يملك من سمات الفتونة وشروطها شيئا يذكر.
وهكذا جلب السيسي لشرعيته أطنانا من الشك وعدم المصداقية، ما مضى منها وما هو آت، ليؤكد أنه لم يكن الفتوة المستحق في يوم من الأيام، ولن يكون كذلك في المستقبل، وقد جاء إلى الحكم بالتآمر والخيانة، ليستمر فيه بالقوة المستعارة على غير رضى أو رغبة من أهل الحارة بالمخالفة لشروط الفتونة التي سمع عنها في حي "الجمالية" الذي نشأ به واستمع فيه لقصص الفتوات الذين كانوا يحرصون على الالتزام بأخلاقيات وتقاليد الفتونة جيلا بعد جيل.
أولها رفع المظالم عن المستضعفين ورد الحقوق لأصحابها، ومناصرة الضعفاء من أهل حارته، ولا يتنازل إلا للأقوى منه في حضور أهل الحارة جميعهم لمنازلة من يقبل المنازلة وتتوفر له شروطها، فكانت منازلة الضعيف عارا على الفتوة لا يقبله أو يسمح به لاعتباره تشكيكًا في قوته واستحقاقه للزعامة.
وقبول السيسي بذلك هو عار يضاف إلى عار ليس في رصيد السيسي وحده بل في رصيد المؤلف والسيناريست والمخرج بالإضافة إلى الجمهور الذي يشاهد مثل هذه المسرحية ولا يقذف كل هؤلاء بالطماطم والبيض الفاسد!