وللإرهاب فوائد جمّة
سليمان الحكيم
19 فبراير 2018يقول المثل العربي "مصائب قوم عند قوم فوائد"، أي أن ما يعتبره بعض الأقوام مصائب تصبح عند أقوام آخرين ذات فوائد لا تخطئها العين مجردة. ومنذ أن ابتلينا نحن المصريين ودول عربية أخرى بالمنطقة بمصائب الإرهاب والفوائد تتساقط في حجور حكامنا العرب ملوكا ورؤساء.
ولكثرة الفوائد التي قام هؤلاء بجنيها ظن البعض – وهو غير ملوم بظنه – أن الحوادث الإرهابية التي تتوالى على أرضنا العربية هي من صناعة السلطات المحلية في قطر، وذلك إعمالا للمبدأ الذي يعتقد علماء الجريمة في صحته والذي يقول "ابحث عن المستفيد"، بعد أن ساعد إعمال هذا المبدأ في الكشف عن العديد من الجرائم التي كانت غامضة مجهولة الفاعل.
وإذا نظرنا لجرائم الإرهاب التي تحدث الآن هنا وهناك، نجد لها من الفوائد ما يغري البعض بتحويل الشكل إلى يقين بأن الفاعل هو السلطة المحلية في أي قطر، فهي الطرف الوحيد الذي يستفيد منها رغم كل ما ينتج عنها من مصائب تنهال على رؤوس مواطنيها، وأول تلك الفوائد وأكثرها وضوحا هو تثبيت دعائم الاستقرار لصاحب السلطان رغم ما يدّعيه من اتهام لأولئك الإرهابيين بمحاولة قلب نظام الحكم وتقويض دعائم الدولة، فنجده يغيب الديمقراطية ويزيحها جانبا، ويسلب الحريات لمواطنيه، بدءا من حرية الرأي وليس انتهاء بحرية التظاهر أو الاعتصام وأي مظهر من مظاهر الاحتجاج أو الشكوى لممارساته الممعنة في الاستبداد، وذلك بحجة منع الإرهابيين أو أنصارهم من الوصول إلى مؤسسات الدولة واستغلالها في نشر أفكارهم الهدامة أو الاتجاه بها نحو ما يحقق أغراضهم التي يراها مدمرة، ليظل وجود الإهاب على أرضه مبررا قويا لتزوير الانتخابات وتزييف الإرادة وتكميم الأفواه وسد المنافذ، فيرتع فيها الفساد الذي يسمح به لأنصاره ويتغاضى عنه لمؤيديه ثمنا لتأييد حكمه ودعم ممارساته الاستبدادية.
ما يصبح الإرهاب وحوادثه المتكررة مبررا لطلب الدعم والمساندة من حكومات ودول خارجية ذات مصالح في استقرار الأوضاع بدولته، فتغدق عليه المساعدات سلاحا وأموالا لتثبيت أركان دولته في مواجهة أعدائها من الإرهابيين الذين يتربصون به لإنهاء نظامه.
ومع استمرار الإرهاب نشيطا فلا مجال معه للحديث عن أية سلبيات أو تقصير ينتج عن سياسات خاطئة أو قوانين سيئة أو أوضاع مخالفة. فالدولة في حالة حرب دفاعا عن نفسها "ولا صوت يعلو على صوت المعركة"، حتى لو كان أصحاب تلك الأصوات من دعاة السلمية ونبذ العنف، وطلب الحوار سبيلا للإصلاح والتغيير، فكل من يرفع صوته من هؤلاء مطالبا بالتغيير أو الإصلاح هو ظهير للإرهابيين وداعم لهم.
هكذا أصبح وجود الإرهاب واستمراره ضروريا للأنظمة المستبدة لتستمد منه مبررات وجودها واستمرارها في الحكم والتحكم، بحجة المحافظة على الدولة من التفكك والضعف والاضمحلال وحماية مواطنيها وتوفير الأمن لهم، كما يعتبر الإرهاب ضروريا لتبرير فشل سياساتها الخاطئة وعجزها عن الوفاء بحاجات مواطنيها. ولسان حالها يقول لو لم يكن هناك إرهاب لتمنينا وجوده!