أداء عادي للبنوك العامة

أداء عادي للبنوك العامة

ممدوح الولي

ممدوح الولي

13 مارس 2018

 

تعوّد بنكى الأهلى المصري ومصر عند نشر ميزانيتهما التركيز على إبهار القارىء من خلال ضخامة الأرقام، فأصول - أى ممتلكات- البنك الأهلى بلغت بنهاية يونيو الماضى 1365 مليار جنيه، وأصول بنك مصر 787 مليار جنيه، ونفس الأمر مع بلوغ ودائع الأهلى 862 مليار جنيه، وودائع مصر 532 مليار جنيه.

 

ويستمر مسلسل الإبهار بذكر أرقام القروض التي منحها البنك الأهلى والبالغة 278 مليار جنيه، والتى منحها مصر والبالغة 180 مليار جنيه، وكذلك حقوق المساهمين أى الأموال التي تملكها الدولة بالبنكين، والبالغة 86 مليار بالأهلي و65 مليار بمصر، وانتهاء بصافى الربح الضخم الذي بلغ بالأهلي 12.5 مليار جنيه وبمصر 5.5 مليار جنيه.

 

وهكذا يخرج من يقرأ تلك الأرقام الضخمة أو يسمعها عبر الفضائيات بانطباع جيد يعبر عن قوة البنكين، وريادتهما للقطاع المصرفى وتحقيقهما أفضل النتائج بين البنوك العاملة بالسوق المصري، والبالغ عددها 33 بنكا بخلاف فروع البنوك الأجنبية والعربية.

 

إلا أن هذا الانطباع خادع تماما، وربما كان أداء البنكين حسب مؤشرات مصرفية عديدة يأتى في ذيل القائمة بين البنوك العاملة بالبلاد، حيث سنجد بنوكا صغيرة الحجم ومغمورة من حيث الشهرة قد حققت أداء أفضل من بنكى الأهلى ومصر.

 

ورغم أن البنوك مطلوب منها النشر لقوائمها المالية كل ثلاثة أشهر، فيبدو أن البنكين على رأسهما ريشة حيث لا يلتزمان سوى بالنشر السنوى فقط، ورغم أن النشر من المفترض أن يكون خلال شهر ونصف من انتهاء السنة، إلا أنهما لا يلتزمان بذلك فالبنك الأهلى نشر ميزانيته بعد سبعة أشهر ونصف من انتهاء السنة المالية وبنك نشر بعد حوالى ثمانية أشهر ونصف.

 

التعويم وتضخيم القروض والودائع

وتسير السنة المالية بالبنكين حسب السنة المالية للحكومة، أى تبدأ أول يوليو وتنتهى آخر يونيو من العام التالى، وهكذا فما نشره بنك مصر يوم الاثنين والأهلى من قبله عن أدائهما السنوى، يخص العام المنتهى في آخر يونيو 2017، مما يكشف سر تلك الأرقام الضخمة التي تحققت بالبنكين ألا وهو تغير سعر الصرف يوم الثالث من نوفمبر 2016.

 

ونتيجة للتعويم زادت قيمة أرصدة الودائع بالعملات الأجنبية بالبنوك للضعف مباشرة، وقل نفس الأمر على أرصدة قروضهما بالعملات الأجنبية التي تضاعفت قيمتها، ومن هنا تضخمت أصول وأرقام البنكين وغيرهما من البنوك التي تعلن قوائمها المالية بالجنيه المصري.

 

وتوضع بيانات البنك المركزي ذلك الأمر ببساطة، حيث تذكر أن نمو الودائع بالعملات الأجنبية في يونيو 2017، بالمقارنة ليونيو 2016 كان بنسبة 114.4%، ثم ذكر البنك المركزي أن نمو نفس الودائع بالعملات الأجنبية بالبنوك بعد استبعاد أثر سعر الصرف قد بلغ 5.3% فقط، أى أن أثر تغير سعر الصرف على نمو أرصدة تلك الودائع الأجنبية عند ذكر قيمتها بالجنيه بعد التعويم كان بنسبة 109%.

 

وبالطبع بكل بنك ودائع بالجنيه المصري وودائع بالعملات الأجنبية، وبحسابهما معا كانت نسبة نمو الودائع بنوعيها جنيه وعملات أجنبية بالبنوك المصرية في يونيو 2017 بنسبة 43% خلال عام، وباستبعاد أثر سعر الصرف تنخفض النسبة للنمو إلى أقل من 23%، أى أن أثر تغير سعر الصرف كان بنسبة 20% لنمو ودائع البنوك.

 

الربحية أهم من رقم الربح

ونعود إلى قولنا أن أداء البنوك العامة الحكومية الأهلى ومصر بالعام المالى الأخير كان عاديا وأقل كثيرا مما تحقق بالبنوك الخاصة، ونأخذ للمقارنة معيارين للربحية بالبنوك أولهما يسمى العائد على الأصول، وذلك بقسمة صافى الربح على إجمالى الأصول، والثانى يسمى العائد على حقوق الملكية بقسمة صافى الربح على حقوق المساهين.

 

وبمقارنة أداء البنكين ببنك صغير حجما بالمقارنة لهما وهو بنك تنمية الصادرات الذي ينشر بياناته حسب العام المالى للدولة، والذى بلغت أصوله بنفس التاريخ 33.2 مليار جنيه، نجد أن مؤشرا الربحية به كانا أفضل من كلا البنكين الأهلى ومصر.

 

ولأن البنوك الخاصة العاملة بمصر تتبع التاريخ الميلادى في نشر قوائمهما المالية السنوية أى من يناير إلى ديسمبر، وبأخذ نتائج البنوك الخاصة التي تم إعلانها حتى الآن عن عام 2017، والذى يخلو من أثر ملوس لتغير سعر الصرف الذي تم في نوفمبر 2016، وظهر أثره بقوائمها لعام 2016 نجد أن مؤشرات الربحية بغالبية تلك البنوك الخاصة بعام 2017 أفضل من بنكى الأهلى ومصر، رغم تمتع نتائجهما بأثر تغير سعر الصرف.

 

فمعدل العائد على الأصول بالبنك الأهلى بلغت نسبته أقل قليلا من 1% وزاد ببنك مصر عن ذلك بقدر ضئيل للغاية، أى أن المائة قرش من الأصول قد كسبت قرشا واحدا، بينما نجد نفس المؤشر للربحية ببنك كريدى أجريكول أكثر من أربعة أضعاف الأهلى ومصر، وببنك الإسكندرية أكثر من ثلاثة أضعاف، وببنوك التجارى الدولي وقطر الوطنى والكويت الوطنى والتعمير والإسكان أكثر من ضعفى الأهلى ومصر، أى الحجم الكبير ليس هو المعيار فكثيرا ما يكون شخص نحيف الجسم، أكثر قوة وحيوية وإنتاجية من شخص ضخم الجسم ينهج من المشى.

 

أدنى نسب إقراض بالبنكين

وكانت الصورة كذلك بمؤشر العائد على حقوق الملكية والذى بلغت نسبته 15.6% بالأهلي 12.6% بمصر، أى أن المائة قرش من حقوق المساهمين فد كسبت أقل من 16 قرشا بالأهلي وأقل من 13 قرشا بمصر، بينما نجد نفس النسبة تصل إلى 36.5% ببنك كريدى أجريكول و36% بالبنك التجارى الدولي، و32% ببنك الكويت الوطنى و32% ببنك الإسكندرية و30% ببنك التعمير والإسكان. بل لقد كان أداء بنوك صغيرة مثل الاتحاد الوطنى وأبو ظبى الإسلامى أفضل منهما، مع الأخذ بالاعتبار أنه لم يعلن سوى 13 بنكا خاصا قوائمها المالية لعام 2017 حتى الآن.

 

ورغم ما يردده المسؤلين عن الدور القومى الذي يلعبه البنكان بالاقتصاد القومى، ورغم أنهما بنكان تجاريان أى متخصصان بالإقراض، نجد أن نسبة القروض إلى الأصول بالبنك الأهلى بلغت 20.4% وببنك مصر 22.8%، رغم أن متوسط النسبة بالبنوك 32.3%، مع الأخذ في الاعتبار توجه معظم تلك القروض لجهات حكومية.

 

ولعل الإشارة إلى التوزيع النسبى لأصول البنك الأهلى يوضح ذلك، والتى تشير لتوجه نسبة 33% منها إلى الإيداع بالبنوك الأخرى و19% من الأصول لأذون الخزانة والأوراق المالية الحكومية بخلاف الاستثمار بالسندات والنقدية والأرصدة لدى البنك المركزي.

 

ولا تختلف الصورة ببنك مصر حيث اتجهت نسبة 36% من الأصول كأرصدة لدى البنوك الأخرى و14% لأذون الخزانة، بخلاف 15% للسندات وحوالى 4% كنقدية وأرصدة لدى البنك المركزى، أى أنهما يوظفان أموالهما في المضمون متدنى المخاطر، بينما يعانى القطاع الخاص من صعوبات في التمويل.