الانتخابات تزيد الغضب المجتمعي المكتوم
ممدوح الولي
01 أبريل 2018
مهما دلّست وسائل الإعلام على الرأى العام من ادعاءات بالحضور الطاغى للجماهير بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، فالكل يعرف الحقيقة بداية من الأجهزة السيادية والسفارات ووكالات الأنباء الأجنبية، وانتهاء بالرأى العام الذي شاهد الإقبال الضعيف في غالبية اللجان بأنحاء الجمهورية.
حتى من شاركوا في الطوابير المصنوعة سلفا سواء من قبل شباب أو عمال وموظفين، فإن كثير من هؤلاء قد رووا لأصدقائهم وأقاربهم حقيقة ما حدث معهم، والضغوط والتهديدات التي تعرضوا لها، حتى الفتيات اللاتى تم استئجارهن للرقص قد حكوا بعضهن القصة.
لقد نسى هؤلاء المغالطين أنه من الصعب في القرن الواحد والعشرين أن يتم إخفاء الحقائق مهما كان القهر والاستبداد، فكلمات شاب تم إيقافه بالشارع وإجباره على التصويت، أو إنزاله من الميكروباص أو أخذه من على المقهى للجنة، تشكك في مصداقية ما تبثه وسائل الإعلام من حشود وطوابير ورقص، خاصة وأن الجمهور يعلم الضغوط التي يتعرض لها هؤلاء الإعلاميون، في ضوء استبعاد بعض من لم يلتزموا بما تريده السلطات، كما يعلم الأجواء التي يعمل بها رجال الأعمال المهددين في كل وقت بتكرار ما حدث مع أقرانهم من تحفظ على الأموال والشركات ومنع من السفر.
أجواء اقتصادية غير مُشجعة
الامر نفسه يتعلق بالأجواء التي يعمل بها محافظون تنتهى فترتهم بانتهاء الفترة الرئاسية، ووزراء يرتبط استمرارهم بمناصبهم بما يحشدونه من موظفين تابعين لهم، وهي عملية متتالية داخل درجات السلم الوظيفى داخل الوزارات بداية من وكلاء أُول الوزارات إلى مديرى العموم.
ولهذا ستزيد الأجواء التي تمت بها الانتخابات - من عودة مكثفة لعبوات الزيت والسكر، ومنح مبالغ مالية لبعض المصوتين، وتهديدات، وإهدار للنصوص القانونية الواردة بقانون الانتخابات الرئاسية - من حالة عدم المصداقية تجاه النظام الحاكم.
وليستعد النظام لذلك، فحتى ما سيحققه النظام من إنجازات لن تجد تصديقا لدى قطاعات كبيرة من المصريين، بعد أن شاهدوا بأعينهم ما تم من تجاوزات وادعاءات وأكاذيب بتلك الانتخابات، وسيزيد انصراف المصريين عن وسائل الإعلام الحكومية والخاصة باحثين عن إعلام مختلف عما يروه في إعلام الحشد والتضليل.
وعلى المستوى الاقتصادى، من الصعب أن يفكر كثير من رجال الأعمال في استثمارات جديدة في تلك الأجواء التي لا ضابط لها من أى نوع، وعلينا أن نتذكر أن بدء خروج كثير من رؤوس الأموال الأجنبية من مصر، كان في الفترة التالية للانتخابات البرلمانية في عام 2010، عندما شعر هؤلاء أن الأجواء السياسية غير ديمقراطية بالمرة، وها هو محمد السويدى يكرر دور أحمد عز تماما، وستزيد تلك الحقائق أيضا من ابتزار الدول الأخرى للنظام الحاكم على حساب مصالح البلاد.
ولا تتوقعوا من مدرس تم إجباره على التصويت عنوة، أن يكون أداؤه داخل الفصل بنفس المستوى السابق، ولا تتوقعوا من عامل بسيط تم إجباره على التصويت أن يكون ولاؤه لصاحب المصنع وللمصنع وللإنتاج بنفس مستواه السابق، حتى لو نسى بعد فترة ستظل التجربة السلبية محفورة في ذاكرته، والإحباط الذي يشعر به الموظف قد يدفعه لا شعوريا لتعطيل مصالح الجمهور والمستثمرين.
حتى الطالب الذي تم إجباره على الوقوف أمام اللجان كديكور للتصوير من جانب الوفود الأجنبية، لن يكون احترامه لأساتذته بنفس المستوى السابق، والشخص الذي تم إنزاله من الميكروباص للتصويت جبرا ستكون نظرته إلى الأمن والقضاء مختلفة.
التعامل بالتقية وسيلة للتعايش
ما تم إعلانه من أرقام للتصويت يتنافى تماما مع المنطق، ومع احترام عقول الناس، فأعلى نسب مشاركة للمصريين بالانتخابات الرئاسية كانت في انتخابات 2012، كانت 46.6% بالجولة الأولى متعددة المرشحين، وبالجولة الثانية بين مرسى وشفيق أقل من 52%.
فكيف نتحدث عن نسب مشاركة عالية بانتخابات رئاسية معروف نتيجتها مسبقا، وتضم مرشح كومبارس وتم استبعاد المنافسين الحقيقيين عنها بل والتنكيل بهم، واعتبر كثيرون أن النظام الحالى قد أهدر جهد أصواتهم عام 2012، مع الأخذ في الاعتبار أيضا أن نسب المشاركة بالتصويت بالانتخابات الرئاسية تكون عادة أقل من الانتخابات البرلمانية.
وكيف يمكن حصول الجنرال على تلك النسب العالية التي انقرضت حتى من الدول النامية؟ وبالمنطق النفعى كيف يمكن لكل هؤلاء أن يختاروا شخصا تسبب في صعوبات جمة لحياتهم المعيشية خلال الفترة الأولى لتوليه، وكيف يعطونه أصواتهم وهو يقول أن المعاناة مستمرة بالفترة المقبلة، وهم يعرفون أن هناك قرارات قادمة بزيادات في الكهرباء والوقود وغيرها حسب روشتة صندوق النقد الدولي.
فعندما لا تحترمون عقول المواطنين وتحترمون كرامتهم الإنسانية، لا تتوقعوا أن يحترمكم هؤلاء، فكثير منهم سيتعاملون معكم بالتقية، لإرضائكم ظاهريا ولتجنب مظاهر القهر والاستبداد التي صارت مهيمنة على المشهد منذ فترة، لكن مشاعرهم الحقيقية مختلفة، وهو ما سينعكس على دعمهم الحقيقى للنظام وعلى ولائهم.
ولعل كثير ممن لم يشاركوا بالتصويت رغم الإغراءات المادية من رحلات للعمرة ومبالغ مالية ومواد غذائية، ورغم التهديدات بالغرامة وتدنى التقارير الوظيفية والإبلاغ عنهم للسلطات، أحد مظاهر الغضب المجتمعى المكتوم.