
عدو إسرائيل عدوي.. مرحبًا بكم في «الماخور»

محمد مصطفى موسى
11 يناير 2018حتى لا يأخذنا الجدل العقيم، إلى التفاهة، وكيلا نكون ممن لا يقدرون على الحمار، فيتشطرون على "البردعة"، أو "البرادعي" فالأمر سواء، ونأيًا بأنفسنا عن الانشغال بالغث عن السمين، وتجنبًا لأن نصبح كمن يصفهم شاعرنا المتنبي بأن "شحمهم ورم"، علينا أن ننحي سؤال: هل التسريب المنسوب لضابط مخابرات مع الإعلاميين مفيد فوزي وحساسين وعزمي مجاهد والفنانة يسرا حقيقي أم ملفق؟
ذاك سؤال عبثي فارغ، على وجه التحقيق، وحسمًا للجدل، فإن الفقير إلى الله، كاتب هذي السطور، يميل إلى أن التسريب مقلب غير محبوك، طُبخ على عجل، على غرار برامج الكاميرا الخفية العربية، فلا لهجة الرجل تؤشر إلى أنه ضابط، ولا وتيرة الحوار مع المُغرَّر بهم، تشي بأن ثمة علاقة أو سابق معرفة من أي نوع تجمعه بهم، هذا ناهيك عن أن نص المكالمات مبتور، لا يتضمن بداياتها، ورغم كونها في هذا السياق، بالغة الأهمية حقًا.
ننحي ذاك الجدل البيزنطي جانبًا، وندخل إذن في المهم. والمهم أن أولئك المغرر بهم، لم يبدوا استياء، ولا استنكارًا، ولم يظهر من ردودهم أو حتى نبرة أصواتهم، أنهم على استعداد لرفض الإملاء الفوقي، بل "اندلقوا" على وجوههم، يعلنون استعدادهم لتنفيذ الأوامر: "طبعًا يا فندم.. أنا دغدغدت "....." حماس، أهم حاجة الأمن القومي المصري، ولا فرق بين القدس ورام الله".
الواضح من هكذا لهجة منبطحة مخنثة، ولغة "نائمة على بطنها"، أن أولئك "متعودون دايمًا" على تلقي الأوامر، ومن ثم التنفيذ فورًا، كعساكر أمن مركزي، من دون جدل أو نقاش، على أن الفارق بينهم وبين العساكر، أن أولئك المجندين المساكين، أبرياء حقًا، يُلبون ما يُملى عليهم، انطلاقًا من حشو أدمغتهم بالخدع والضلالات، على غرار أحمد سبع الليل، في رائعة الراحلين الكبيرين أحمد زكي وعاطف الطيب "البريء"، في حين أن "الإعلاميين والفنانة" يدركون بالضرورة أن المطلوب منهم هو دناءة خالصة، أو بالأحرى خيانة خالصة.
لكن لا بأس من الخيانة، فأولئك الرهط يطيعون أولي الأمر منهم، وإن خالفوا الله والرسول، ولسان حالهم مقولة الفنانة يسرا الخالدة، في فيلمها "دانتيلا": يا أختي كده ينفع وكده ينفع.. ممكن ندافع عن "عروبة القدس"، واحتمال نقول بـ"يهوديتها"، وبوسعنا أن نتباكى عليها، ونلطم الخدود ونشق الجيوب، ولا بأس أن نعتمر القلنسوة اليهودية، كله ماشي، حسب الدور المطلوب، والفنان لازم يتقمص عشان الناس تصدقه.
لكن.. هل ثمة ما يستدعي الصدمة أو حتى الدهشة في هذا الكلام؟
في الواقع، إن التسريبات كشفت عما هو معلوم بالضرورة، فمقولة إن أزمتنا أو نكستنا في نخبتنا، صادقة كل الصدق، ذلك ليس لأن مصر عاقر، أو أن رحمها لا ينجب إلا الخُدَّج المشوهين، وإنما لأن المجال العام مؤمم بالكامل، وليس مسموحًا أن يطفو على سطحه إلا الكائنات الطحلبية، والحيوانات النافقة.
في الإطار ذاته، فإن سياق التسريبات، رغم ما يبدو من تهافتها، ليس بعيدًا عن ممارسات دولة الثلاثين من يونيو، إزاء القضية الفلسطينية، فمنذ إسقاط محمد مرسي، تعزف فضائيات العار نشازًا، على أوتار شيطنة كل ما هو فلسطيني، فالضغينة ليست "مصرية حمساوية" فحسب، بل إن رقعة ذاك الخلاف تتمدد كبالون مطاطي، لتشمل "حزب الله" أيضًا، فالمسألة ليست أن تكون سُنيًا أو شيعيًا، وشعار المرحلة: "عدو إسرائيلي عدوي"، وهو شعار تتبناه بالمناسبة، أكثر من عاصمة عربية، في هذا الماخور السياسي القميء.
إن السلام يجب أن يكون دافئًا، والانبطاح ينبغي أن يكون شاملًا، أو كما قال رأس السلطة بعظمة لسانه، من منبر الأمم المتحدة: "أقول للشعب الإسرائيلي، اطمن احنا معاك".
هذا هو الواقع المؤسف، هم، لا نحن أبناء الشعب المصري، مع الصهاينة، وبغض النظر عن التسريب الأخير، الذي استنفر الشتامين اللعانين في برامج "قلة الأدب شو"، فإن شواهد انسياق القاهرة الرسمية، وراء تل أبيب، تجلت مثلًا في سحب مصر مشروع قرارها بإدانة المستوطنات الصهيونية في مجلس الأمن، بل إن الأفحش من ذلك أن تسريبًا آخر، للمدعو يوسف ديّان، عفوًا زيدان، يفضح أن رأس السلطة طلب منه أشياء "تهز عرش الرحمن"، منها نفي وجود المسجد الأقصى، وهو ما ينفذه بمنتهى الإخلاص، ومنتهى التهتك أيضًا، عبر برنامج عمرو أديب.
مجددًا.. فلتذهب التسريبات إلى الجحيم، ولننحِ عنا الجدل الأبله بشأن صحتها أو فبركتها، فالبعرة تدل على البعير، والأثر على المسير، والصهينة على المتصهينين، والقابضون على مبادئهم الأخلاقية في هذا الزمان، كالقابضين على جمرة من نار، لكن هذه الجمرة لن تحرق جلودهم للأبد، ففي يوم مقدّر ستتحول الجمرة لا محالة إلى حجارة غضب من سجيل، يُقذف بها الخونة.