تفويض ضد مَنْ؟

تفويض ضد مَنْ؟

محمد مصطفى موسى

محمد مصطفى موسى

02 فبراير 2018

 

«أي حد يفكر يقرب من مصر، هاقول للمصريين، انزلوا تاني ادوني تفويض، أمام الأشرار، أي أشرار».

 

هذه عبارة السيسي حرفيًا، لدى افتتاحه حقل «ظهر».

 

بعيدًا عن النكات التي انفجرت شلالاتها، على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها أن التفويض الأول قد أصابه عطل فني، ما يستلزم إطفاءه ثم تشغيله، فإن الرجل واقعيًا لم يطلب استنساخ سيناريو التفويض، الذي بنى عليه شرعيته وأيضًا سطوته، بعد الثلاثين من يونيو، بل إن الأمر يبدو زلة لسان كاشفة، تؤشر إلى فكرة ما تراوده، لكنه لا يريد اتخاذها، أو لعله يعلم أنه لن يستطيع اتخاذها، نظرًا لعوامل متشابكة، على رأسها: أن شعبيته بلغت الدرك الأسفل، فإذا نادى الناس أن فوضوني، سيكون لسان حالهم: لا حياة لمن تنادي.

 

منطوق العبارة، بما فيها من «اشتراط» أن «يفكر أحد ما»، في الاقتراب من مصر، يشي إذن أنها عبارة تهديد ووعيد، هذا مع الأخذ بمفارقة بالغة الدلالة والخطر في السياق، وهي أن المقال لم يكن موائمًا للمقام، ففي مناسبة افتتاح الحقل الذي يحسبه رأس السلطة من إنجازاته الكبرى، يفترض أن تكون الأجواء احتفالية كرنفالية، على غرار افتتاح التفريعة مثلًا، الذي ظهر فيه مختالًا فخورًا، لكنه هذه المرة بدا غاضبًا منفعلًا، إلى درجة أن وسائل إعلام عالمية، قالت إنه متوتر أو قلق من «شيء ما».

 

هذا الـ«شيء ما»، أفصح هو عنه بعظمة لسانه، حين قال: «الأشرار»، فزادت اللفظة المشهد التباسًا والموقف غموضًا، ذلك أن مفردة الأشرار معيارية قيمية، ليس في الاستطاعة تحديد مدلولاتها بدقة، والشر في مجتمع، ليس بالضرورة أن يكون كذلك في آخر، فأكل لحم البقر في المجتمعات الهندوسية، شر مطلق، في حين أن نحر الثيران في المجتمعات الإسلامية، خير مطلق.

 

على أن انبعاث تلك الحيرة ليس غريبًا بالنظر إلى رؤية الرجل إلى ذاته، وتقييمه لمكانته، فهو الذي يملك الحق وحده، وليس على الناس أن يسمعوا أو يأخذوا عن غيره، وهو حامى الديار وهازم الأعداء: «محدش يقدر يضر مصر إلا بعد ما أموت»، وهو طبيب الفلاسفة الذي ينهل العالم بأسره من معين علمه الغزير، وهو الخصم والحكم، حتى إنه يضع المعايير التي تحدد الفاسد والصالح، ومن ثم لا يسمح للفاسدين بالاقتراب من كرسي الرئاسة، أي كرسيه هو! 

 

غير أن الغموض الذي يكتنف المشهد، لا يمنع طرح أسئلة يجوز باطمئنان القول، إنها وجودية، على نحو: يهدّد مَنْ؟ وما نوعية وحجم التهديد الذي يحدو به إلى التفكير في الاستناد إلى الشعب عبر استنساخ التفويض؟ هذا مع العلم أن حسابه وزن الشعب مسألة مشكوك فيها، وهل يوجه تحذيراته إلى جماعة الإخوان التي أصبحت تنظيميًا أضعف من أي وقت مضى؟ أم إلى التيار المدني الذي ضعف مع سقوط الإخوان وبعد اغتيال رموزه معنويًا؟ هل إلى الإعلام الذي خصه بتحذير في كلمته أيضًا، رغم أنه صار كالغانية في بلاط السلطان تستدعى متى أراد أن يقضي ليلة حمراء ثم تعود إلى مخدعها؟ هل إلى التيارات الثورية التي زج بالأنقياء من شبابها في السجون، فيما استقطب الفاسدين منهم إلى صفوف المصفقين المسبحين مقابل مكتسبات منها مقاعد برلمانية ووظائف حكومية مجزية أو مصانع «بسكويت»؟

 

ما القوة الآن التي يفترض أن يوجه الرجل المستأثر بكل شيء تهديده إليها؟

 

إن أحدًا لا يملك الجواب الحاسم على هذا السؤال المهم، لكن مع ما تُطيّره وكالات الأنباء العالمية، بوجود شروخ في صف الذين يقمعون، على خلفيات وإثر خلافات متعددة، منها ما يتعلق بتنحية الفريق أحمد شفيق من السباق الرئاسي، ومن بعده القبض على الفريق سامي عنان، بهذا الشكل المهين، لا له شخصيًا، بقدر ما هي لصورة المؤسسة العسكرية ذاتها، فإن الشواهد تتزايد بأن البركان قد ينفجر في أية لحظة، وإذا وقعت الواقعة، فليس لوقعتها كاذبة.