ابني

ابني "علي".. we need to talk

أحمد متاريك

أحمد متاريك

13 نوفمبر 2017

 

أي بُني؛ طالعتَك بالأمس لأول مرة تزفّك إليّ ممرضة ما لا أعرفها ولن أنسى وجهها أبدًا. "مبروك بقيت أب" لا أبلع الكلمة وأنا ألتقطك من بين يديّ عمّتك وأحدّق بوجهك مليًا. "من هذا؟!" هذه الكتلة الدقيقة الوردية ذات الرأس الأقرع والعيون التائهة الملفوفة بألف بطانية درءً لبرد ليس بالعاصف، تغمض عينًا وتفتح أخرى، غاضب لأنك جئت كما يبدو، غضب جعّد ملامحك الصغيرة وجعل طبقات جلدك تتراكم فوق بعضها كمطبات طريق متوالية، هذا هو من سأتعامل معه بقية عمري على أنه امتداد لي، قطعة صغيرة بقت نفس الصلصال الذي خُرطتُ منه؛ ابني.

 

الآن أنا أهم، أقوى، أنضج، أثبت، أكثر اتزانًا ورسوخًا عما كنته من يومين، فبالأمس كنت مجرد فرد متزوج يسعى والآن أصبحت "أبو علي" الذي عليه من الآن أن يفكر في كل خطوة يقوم بها عن المصير الذي ستقوده إليه بعد 10 سنوات.

 

انحصرت كافة تجاربي السابقة في حالات الولادة، أن أبتسم لصاحب الهدية الربانية، أبارك وأهنئ، أحمل الصغير وأهديه شيئًا أو أؤذن في أذنه طلبًا للبركة وبعدها أغادر، مغلقًا خلفي الباب، وأترك الجمل بما حمل لأصحابه، لم تتغير حياتي إلا بصورة إضافية ولقب "خالو" زيادة انضم لجعبتي، أما الآن فما أن أغلقت الباب وجدتك من خلفي تضحك بشفتين نحيلتين تترقب قدومي لأحملك على كتفي، لتشاهد العالم بأسره، كما تحسب، من فوق كتفي. الآن أنا لست قريبًا من التجربة، بل أنا التجربة ذاتها، فآن لعالمي الذي كان من يومين عصيًا على التغيير أن أعيد تشكيل جدوله فقط وفقًا لمزاجك اليومي.

 

أحبك؟.. لطالما أخبرني والدي أنني لن أعلم أبدًا مذاق الأبوة إلا حين أمارسها، وهو تعبير لم أعرف مدى دِقّته إلا بعدما بدأت في الخوض بالبحر تدريجيًا، وأنا أتابعك كل لحظة أمام عيني، ولم أعد فقط أبتسم لشقاوة طفل مباغتة أو لبسمة عابرة أتت بلا دعوة، ولكني الآن لا أملك نفسي من الابتسام حتى وأنت توقظني فجرًا لأن صليل معدتك لا يحلو له القرع إلا وقت الشقشقة، أو وأنت تتأمل ملامحي بأناملك فيفلت أحدها منك ويكاد يفقع لي عينًا، الآخرون مجرد أطفال وأنت ابني الوحيد بينهم.

 

هل أصبحت أكثر شبهًا بي؟ أخذت أنفي أم عينيّ؟ عينانا حينما تلتقيان ويتصافح الأسود بالأسود، هل تعرف إحداهما أنها امتداد للأخرى؟ هل حركة يدك فوق حاجبك تقليد لما أفعله دائمًا بـ "نَتْش" حاجبي كلما توترت؟ هل تنام كما أنام وترفض الاتكاء على جانبك الأيمن لأن جيناتك قالت لك إن أباك لم يفضل ذلك أبدًا؟ هل تدبّر خدعة "العياط" فقط لأنك تريدني أن أحملك، وترى العالم من فوق. أيجب أن أنصحك من الآن أنك لن ترى الدنيا بهذا الدنو إلا وأنتَ على كتف أبيك؟

 

لأجلك أتمنى أن أكون في هذه اللحظة بالذات أفضل وأقوى وأحسن وأغنى، لا أستطيع أن أعدك بأي من هذا للأسف، فقط أعدك أنني سأسعى إلى ذلك دائمًا برأسٍ مرفوعة لا تضع الانحناء لأحد ضمن خياراتها أبدًا، فإن أتى عليك حين وقرأت ما أكتب فإياك أن تكون فعلتها يومًا لأحد.

 

كنت أتمنى يا بُني أن أورثك بلدًا أفضل، تتمتع فيه أنت ورفاقك بحرية القول والفِعل، تنتخب من تشاء وتعترض على من تريد دون أن تقصم ظهرك سنون قانون تظاهر سجن الأخضر واليابس، يهتم بك رئيسها حقًا لا بـ "رصّك" في مقاعد مؤتمرات شباب السيلفي السنوية، هل ستسامحنا على تقصيرنا في حقك؟ هل سيكفيك منّي عُذرًا وقتها حين أوريك صور "هوجة يناير"؟ أم لن تقبل أبدًا مآلنا بعدها من هزيمة وانحدار وتفتت مهما قدمت لك من مبررات. ستجدها جميعًا واهيًا مثلما "سخّفت" دائمًا من مبررات سكون جيل أبي على "ظَلمة يونيو".

 

يا علي، إن أطعت فاسمع كلام من حرص على تعبك وجاهد لأجلك قبل وبعد ميلادك، اسمع كلام أمك ولا تتعبها في "شُرب اللبن" ولا "النوم باكرًا".

 

وإن عصيت فاعص من باع وسجن وسحل، لا تصدقه مهما بدا لك أمينًا، ولا تشرب خدعته أبدًا مهما تعهد لك بالعكس، وإن جاء يومًا على ثورتك واعدًا إياك بحمايتها فقط وترك اللجام إليك بعدها لا تطعه، اترك كل حماقاتك جانبًا وأسقطه.. أسقط السيسي.