جريمة «المصري اليوم» و«مصر العربية»!

جريمة «المصري اليوم» و«مصر العربية»!

سليمان الحكيم

سليمان الحكيم

06 أبريل 2018

 

الذين جرموا المصري اليوم، وحتى الذين ألقوا باللائمة عليها، يعرفون الحقيقة أكثر من غيرهم، وقد جاءت النتائج التي أسفرت عنها عملية الانتخابات مؤخرا لتؤكد صحة موقف الجريدة الشهيدة وكل من تبني رأيها، فما يقرب من ثلثي عدد الذين يحق لهم التصويت – كما ذكرت الإحصاءات الرسمية – قد اتخذوا قرارا بالمقاطعة والامتناع عن الذهاب إلى اللجان، إضافة إلى ما يربو على مليوني ناخب قاموا بإبطال أصواتهم عمدا كرد فعل تلقائي على إجبارهم على التصويت في عملية أشبه ما تكون بعمليات الاعتقال أو التهجير القسري.

 

لا شك أن ضخامة هذه الأرقام تؤكد المحاولات المضنية التي قامت بها الدولة لدفع هؤلاء الممانعين على الذهاب والحشد أمام اللجان بعد أن فشل الإعلام الرسمي وبكل الإغراءات التي لوحت بها للحشد طواعية وعن اقتناع ذاتي. فكان على الحكومة وأتباعها أن يقوموا بالدور بأنفسم بأساليب الإكراه والجبر، وهو ما أشارت إليه المصري اليوم في عنوانها الرئيسي مقرة بالحقيقة ومعترفة بواقع الأمر، فوقعت في المحظور الذي تنكره الدولة ممثلا من وجهة نظرها في الكشف عن الحقيقة وإظهارها للعيان، فكانت جريمة المصري اليوم هي تخليها عن تملق الحكومة ونفاقها وعدم التستر على مأزقها الواضح.

 

ولا شك أن غياب الكياسة والحصافة قد أوقع الحكومة والقائمين على أمرها في مأزق آخر حين حاولت الخروج من ذلك المأزق بمأزق أشد وأكبر، بتقديم المصري اليوم إلى المحاكمة بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها المساس بالأمن القومي، فكانت جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة من جرائمها السابقة من حظر عشرات المواقع الصحفية، فأصبح من نجا من حظر الحكومة قد وقع في دائرة الملاحقة بالخنق والتضييق.

 

والغريب أن يجمع موقع إعلامي مثل "مصر العربية" بين عقوبتين على خلاف القانون. عقوبة الحجب وعقوبة التغريم التي طالت المصري اليوم أيضا ولنفس السبب، وهو عدم تقديم فروض الطاعة والولاء والسير في زفة الحكومة والتستر على عوراتها ومثالبها.

 

والحقيقة أن لا مصر العربية ولا المصري اليوم هما المقصودان بهذه الإجراءات العقابية من قبل الحكومة، ولكنها كل الصحف والمواقع التي نجت من عملية الشراء والتطويع التي مارستها الأجهزة السيادية في الإعلام المصري مؤخرا، فاختارت لنفسها الحرية والاستقلال لتصبح هدفا للقصف بحجة المساس بالأمن القومي، وهو تعبير هلامي غير محدد المعنى ويحتاج إلى ضبط وتسكين. وقد تُرك مرسلا ليسمح باستخدامه والتلويح بعصاه وقتما تشاء الحكومة لردع من يخرج عن الطوق.

 

هكذا أحكم النظام حصاره على أجهزة الإعلام بمختلف وسائلها، إما بالشراء وإدخال الحظيرة، وإما بالملاحقة والتهديد بالحظر والمنع لكل من يجرؤ منها على كشف المستور أو ما تحرص الحكومة على أن يظل مستورا!