لبنان والخليج وإيران والصين.. هل تنجح بكين في هندسة أمن المنطقة؟
تتزايد التحذيرات من نوايا صينية للتدخل المالي والاقتصادي في لبنان الجريح، خلال الفترة المقبلة، حيث سيقوم هذا التدخل على خصوصية العلاقة المتزايدة مؤخرا بين الصين وإيران، وهذا يعني أن التدخل، وفقا لوجهة نظر خليجية وغربية، لن يكون لصالح لبنان في الأخير، حتى وإن ضخت الصين مليارات الدولارات سريعا.
لكن التدخل الصيني في لبنان ليس وحده المشكلة المحتملة، فهناك ما يشبه حملة صينية لإيجاد موطئ قدم في الخليج، على خلفية عزم الولايات المتحدة التخفف من أعبائها هناك، وهنا تريد بكين ترتيب أمن الخليج بشكل جديد، يقوم على تنظيم الخلافات بين السعودية وإيران، على وجه الخصوص، وعدم السماح لها بالتضخم لتشكل خطرا على الأهداف الصينية في المنطقة، والتي تتمثل في المنفعة والربح.
وفي مقال نشرته مؤخرا صحيفة "عرب نيوز"، الصحيفة الرئيسية باللغة الإنجليزية في السعودية، أشارت الصحفية اللبنانية "بارعة علم الدين" إلى أن إغواء الميليشيات الشيعية اللبنانية للصين كان يحدث على خلفية اتفاقية تعاون ضخمة محتملة مدتها 25 عامًا بين الصين وإيران.
كانت كلمات "بارعة" ردًا على على إعلان زعيم حزب الله "حسن نصر الله" أن الصين مستعدة للاستثمار في البنية التحتية اللبنانية. وأن الشركات الصينية مستعدة لضخ الأموال في هذا البلد حيث قال "نصر الله": "إذا حدث هذا، فسيؤدي ذلك إلى جلب الأموال للبلاد، وجلب الاستثمار، وخلق فرص العمل، وما إلى ذلك".
وقالت "بارعة" "نرحب بالأعمال والاستثمارات الصينية، لكن بكين لديها سجل في الشراكة مع النخب الأفريقية والآسيوية الجشعة الراغبة في بيع سيادتها.
واتهمت "بارعة" الدبلوماسية الصينية بأنها لا تعرف الرحمة وتهتم بمصالحها، كما أنها حتى لا تتشدق مثل الغرب بحقوق الإنسان أو سيادة القانون أو التبادل الثقافي.
ونقلت عن خبير في الشرق الأوسط في مركز أبحاث أمريكي محافظ قوله إنه يحذر من أن "نسور بكين تدور حول أصول البنية التحتية مثل الموانئ والمطارات بالإضافة إلى العمل على إيجاد تأثير عبر القوة الناعمة من خلال الجامعات اللبنانية".
ومضت لتؤكد أن "مشاهدة خنق الأصوات المعارضة بلا رحمة في هونج كونح والتبت وشينجيانج، يخيف اللبنانيين بشأن سحق حرياتهم وثقافتهم في ظل الهيمنة القاسية والاستبدادية الصينية والإيرانية والأجواء المشابهة التي يسعى حزب الله إلى فرضها".
تشير "بارعة" ضمنيًّا إلى أن الصين تحوم أيضا حول دول الخليج، في وقت يتزايد فيه عدم اليقين بشأن موثوقية مظلة الدفاع الإقليمية للولايات المتحدة، وأنها بحاجة إلى تقليل التوترات مع إيران إذا أرادت الصين أن تشارك في المساعدة في إنشاء هيكلية أمنية إقليمية جديدة.
وأعرب مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والمفاوضات، "عبدالعزيز العويشق"، عن قلقه إزاء قرار الولايات المتحدة الشهر الماضي بسحب قوات من أوروبا بعد يوم من انتقاد "بارعة" الصارخ للصين، واقترح أن يكون هناك "إطار أكثر منهجية للقيادة وصناع القرار للمناقشات الأمنية الأمريكية الخليجية".
ومارست الصين ضغوطًا خفية على دول الخليج من خلال الكتابات الأكاديمية والبيانات العامة لعلماء بارزين لهم علاقات وثيقة بالحكومة في بكين.
واستهدفت رسائل بكين السعودية في المقام الأول، الدولة الخليجية الوحيدة التي امتنعت حتى الآن عن الانخراط في أي إيماءات يمكن أن تسهل تخفيف حدة التوتر تجاه إيران.
وعرض مقال نُشر مؤخرًا في مجلة صينية شهيرة المبادئ التي ترغب الصين فيها كمبادئ لسياستها الخارجية والدفاعية للانخراط في أمن الخليج.
وتضمنت المبادئ "البحث عن أرضية مشتركة مع الاحتفاظ بالاختلافات"، وهي صيغة تنطوي على إدارة الصراع بدلاً من حل النزاع.
وساطة باكستان
وفي هذا السياق تسعى باكستان المدعومة من الصين للتوسط بين السعودية وإيران.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني، "عمران خان"، هذا الأسبوع، دون أن يقدم تفاصيل، إنه يجب تجنب حدوث مواجهة عسكرية بين القوتين الخليجيتين، وأضاف أن الوساطة "تحرز تقدما ولكن ببطء".
يشير مقال "بارعة" إلى رفض السعودية الاستفادة من الوباء كوسيلة لتقليل التوترات ما يعني أن الرياض لم تتبن جهود "خان" بالكامل بعد.
ولدى باكستان مصلحة راسخة في المساعدة على تهدئة التوترات السعودية الإيرانية. ومع ذلك، فإن الأمر يتطلب جهدا عند الحديث عن ممارسة دور الوسيط الذي لا تثقل جهوده قضايا ثنائية خاصة به مع أي من الأطراف، ونتحث هنا عن التوتر المتكرر بين باكستان وإيران بسبب أزمة البلوش القوميين الذين تتهم إسلام أباد طهران بدعمهم لخلخة الأوضاع بها.
وكما يقول المحلل "جيمس دورسي"، في "إنسايد أرابيا": الخلاصة أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الوساطة الإقليمية، ومع احتمال امتناع الولايات المتحدة عن القيام بالأعباء الثقيلة، قد تُترك هذه المهمة للصين.
إذا كانت "بارعة" محقة فإن الصين ستكتشف بالفعل أن تغيير النموذج في الشرق الأوسط سهل نظريا وأصعب عمليا.