في كوم الدكة..

فيديو| «تفجير المرقسية».. دموع تروي لحظات وجع الأهالي أمام المشرحة

كتب: رانيا حلمي ومصطفى سعداوي

فى: تقارير

05:56 10 أبريل 2017

 في حوالي الساعة 12 ونصف إلا خمس دقائق يقف أرثان ذو الـ 11 عاما حاملا في يده بعض أعواد السعف يشكلها على هيئة تيجان وخواتم يهدي بها من يريد ، يبدأ في توزيع هداياه على المارة في ساحة الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، عقب خروجهم من صلاة أحد الشعانين التي ترأسها البابا تواضروس.
 

أمام الكنيسة تقف أسماء مرتدية الزي الرسمي للداخلية وإلى جانبها أمنية بالزي ذاته، بينما يتابع الرائد عماد الركايبي دخول المصلين من البوابة الإلكترونية حاملا في يده جهاز "لاسلكي"، ويمر محمد محسن أحد سكان المنطقة بالقرب من الكنيسة متجها إلى مقر عمله في "صالون الحلاقة" الذي يملكه.

5 دقائق فقط فصلت بين سعادة الاحتفال وصراخ الفقد، بين الحياة والموت، دقائق جمدت المشهد وجمعت أبطاله في محيط واحد لتتطاير أجسادهم في الهواء بعد مرور شخص فجّر نفسه عقب فشله في الدخول للكنيسة، ليتحول محيط الكنيسة بعدها لساحة تختلط فيها الدماء بالأشلاء ووجهات المحال المتهشمة، وبعض متعلقات الضحايا بينها "حذاء، و"توكة" شعر". 
 

 

 

هتافات الأقباط واستنفار أمني

"بالروح بالدم نفديك يا صليب، يا نجيب حقهم يا نموت زيهم، يارب" هتافات رددها عدد من الأقباط أمام الكنيسة، التي شهد محيطها استنفارًا أمنيًا، فأغلق شارع الكنيسة بكردوني أمن، أحدهما في بداية الشارع والآخر قبل الكنيسة، بينما انتشرت سيارات الأمن المركزي في منطقة محطة الرمل، وبدأت فرقة البحث الجنائي في فحص مكان الواقعة.

روايات متشابهة لشهود عيان ممن حضروا الصلاة داخل الكنيسة وغيرهم من المارة، جميعها تتلخص في محاولة أحد الأشخاص المرور وحين منعه الضابط قام بتفجير نفسه، استمر المشهد أمام الكنيسة بين هتافات الأهالي ومحاولة كسر الحاجز الأمني والمرور تجاه الكنيسة. 

أمام المستشفى الأميري الجامعي تقف سيارة إسعاف تفتح الباب للمتبرعين بالدم كمساندة لضحايا التفجير، بينما يرفض أحد أفراد أمن المستشفى تواجد السيارة موضحا أنها تتلاعب وتجمع التبرعات باسم الميري، وأثناء انتظار عدد من الصحفيين أمام المبنى للدخول ولقاء المصابين يصل موكب وزير الصحة ومحافظ الإسكندرية، فيرفض أمن المستشفى إدخال عدد من الصحفيين مغلقا الباب في وجوههم.

 


 

ثلاجة المستشفى الأميري.. الأهالي"عاوزين ندفن ولادنا"

على بعد خطوات من موكب الوزير يجتمع عدد من أهالي الضحايا أمام ثلاجة المستشفى الأميري في انتظار استلام الجثامين، تخرج سيدة خمسينية مستندة على شابين يعلو صوت نحيبها تدعو الله، قائلة: "والنبي يارب هاتلي حقه" بينما يجلس والد محمد صبحي وسط عائلته في انتظار"الفرج" يقول، "ربنا يرحم برحمته وينتقم من الظالم"، منذ عام ونصف تقريبا التحق محمد بالخدمة في الداخلية، حيث انهى تعليمه وحصل على شهادة الثانوية الفنية.
 

"أنا مسافر وربنا يعوض عليا" هذا آخر ما قاله محمد لوالده في إجازته الأخيرة منذ يومين، يستكمل الأب حديثه "ربنا يرحمه ويجع مثواه الجنة"، موضحا أنه ينتظر خروج الجثمان لدفنه، وأنه استودعه لدى الله سبحانه وتعالى "ابني يموت وأفضل أنا مرمي في الشارع؟ ده ظلم" وتابع"كان بيخدم في الشرطة فيرضي ربنا كده؟ والله ما يرضي ربنا"

 

 

وفي الجهة الأخرى يقف نبيل رسمي أحد أقارب"ميلاد نظيم" أحد ضحايا التفجير، منتظرا خروج الجثامين الثلاثة لأبناء عائلته، ومعرفة الوضع الصحي لاثنين آخرين "سيدة وابنتها" تجرى لهم عمليات جراحية واحدة في الأميري الجامعي والثانية في مستشفى الأنبا تكلا، يقول أن عائلته فقدت "ابن خاله، وزوجة أخيه، ونجل اخته".

 

"المفروض رايحين يحتفلوا بالعيد" كلمات صحبتها ابتسامة ساخرة من رسمي، الذي بدأ في وصف الضحايا، أحدهم رجل في الخميسن من عمره، ضعيف الجسد، لا يقوى على احتمال ضربة خفيفة، والثانية شابة وأم لطفلين، الثالث 18 عام معلقا"ربنا بيختار وله حكمة".

 

 

 

مشرحة كوم الدكة تختفي وراء الظلام

 

أمام مشرحة كوم الدكة بالإسكندرية، تتلاقي وجوه يخفيها الظلام، في ليلة باكية أدمت قلوب المصريين، الكل هنا ينتظر جثامين ضحايا تفجير الكنيسة المرقسية، ما بين آباء وأمهات مكلومين، وأزواج مكروبين، وأطفال تعساء.

 

هذا زوج "أسماء أحمد إبراهيم" عريف شرطة، والتي سقطت ضحية للتفجير الغاشم، يجلس القرفصاء، يُنكِّس وجهه بين رجليه، بينما يسواسيه أحد أقاربه، ويشد من أزره.

 

"اشمعنى تقرير النيابة طلع في التانيين؟ ولا هو الضعيف رايح".. كلمات أخرجها بحزن "سامي عطية"، زوج خالة "عريف الشرطة"، معربًا عن غضبه الشديد، من الوقوف لساعات طويلة أمام المشرحة في انتظار جثمان فقيدتهم. 

 

وأضاف عطية لـ"مصر العربية": "أنا مربي أسماء، كانت على خلق وطيبة، أخلاقها أخلاق شهداء"، متسائلا:"ذنبها إيه تموت وتسيب أطفال؟ ليه يدمروا عائلة؟".


وتابع: "أنتم سايبين الناس ليه؟ هو لازم كل واحد يحصل مصيبة في بيته علشان يعرفوا إن الناس دي بتفجر؟، متعجبا من سلوك الإرهاب الذي يقتل الأبرياء دون سبب ويحاولون إلصاق ذلك بالإسلام، ذاكرا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين زار يهودي كان يتعمد إيذائه.
 

وبعيون حزينة، يحكي محمود مجدي عن ابنة عمته "أسماء" قائلا، إنها كانت تعمل في شرطة الميناء، وتواجدها في الكنيسة كان مأمورية، حيث تقوم بتفتيش السيدات أثناء دخولهن للقداس، وكانت في مقدمة من تلقوا التفجير، موضحًا أنهم عقب سماع الخبر توجهوا لمستشفى الجامعة ولم يتوصلوا إلى شيء، حتى أخبرهم أحد العاملين أن شهداء الحادث نقلوا لمستشفى الشرطة.
 

وأضاف "مجدي" توجهت بصحبة الأسرة وزوجها لمستشفى الشرطة للبحث عن الجثمان، فلم نجد سوى أشلاء ضحايا، لافتًا إلى أنهم لم يتمكنوا من التعرف على الجثة عن طريقها، حتى ذهبوا لمشرحة كوم الدكة حيث استطاع زوجها التعرف على جثتها من خلال ملابسها.


وبحسب أسرتها، عاشت أسماء ذات الـ29 عاما وزوجها الشرطي في الإسكندرية وهما من شبراخيت التابعة لمحافظة البحيرة، وأنجبت طفلتين أولاهما في الرابعة من عمرها والثانية عامان ونصف، لم يدركا وفاة والدتهم حتى الآن رغم تواجدهما مع الأسرة في إحدى السيارات أمام المشرحة.
 

 

 

وعلى باب المشرحة يجلس خالد صبري، صهر محمد محسن 39 عاما صاحب "صالون حلاقة"، أب لولد وبنت، والذي صادف مروره من شارع الكنيسة وقت وقوع الحادث، يقول صبري، إن أحد الضباط تعرف عليه من خلال الأوراق التي يحملها، واتصل بزوجته.

 

 

"مين الفاعل؟" سؤال ردده صبري "الجميع يسأل.. برضه أيدي مجهولة؟" وتابع:"فين الدولة؟ والأمن والأمان؟" قائلاً إن هذه هي مشكلتنا وفاة أناس أبرياء أثناء توجههم لأعمالهم سواء مسلم أو مسيحي.. والمسئول عن ده الحكومة في صورة رئيس الجمهورية، لأنه حالف اليمين أنه يحمي المواطن، فحين يضيع المواطن سواء مسلم أو مسيحي فهي مشكلة الحكومة وليست مشكلة أفراد".

 

وتابع: "متقوليش منشأة مين اللي يحافظ على البلد دي مشكلتنا" مضيفا"بغض النظر عن أي دافع سياسي أو أي شيء"، موضحا أن أطفاله الأبن في الصف الخامس الابتدائي والأبنة في الصف الثالث الابتدائي متسائلا"مين حيربي الولاد؟" مؤكدا أن زوجته في حالة انهيار تام.

 

اعلان