ماكرون من لبنان: «سأنقذكم».. هل يستطيع المستعمر السابق فعل شيء حقًا؟

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

20:22 09 أغسطس 2020

كان المشهد مثيرًا للذهول قبل أن يثير الجدل، حيث اصطفت الكاميرات لتلتقط مشاهد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" وهو يترجل من الطائرة في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد ساعات من انفجار بيروت المروع، الذي أودى بحياة العشرات وأصاب الآلاف، بخطوات رياضية تشي بأنه ينزل في ساحة فرنسية وليس أرض لبنانية.

 

بعد مغادرة المطار - وترك رئيس البلاد "ميشال عون" خلفه- ذهب "ماكرون" مباشرة إلى موقع الانفجار الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من المدينة.

 

وبعيدًا عن موكب المركبات الرسمية الذي نقله إلى الجميزة، أحد الأحياء التي دمرها الانفجار، سرعان ما تجمع حول "ماكرون" حشد من السكان المحليين، وعانق امرأة تغلبت عليها الدموع وهتفت "تحيا فرنسا!".

 

وفي ختام مؤتمره الصحفي المقتصب بعد وصوله إلى المطار، سُئل الرئيس الفرنسي عن سبب قدومه بعد فترة وجيزة من الانفجار الكارثي الذي ما زالت المدينة تترنح منه. أجاب بلطف بالفرنسية: "لأن الفاجعة تخصكم فهي تخصنا".

 

أبوية الاستعمار

 

ويرى محللون أن هذه الكلمات تحتوي على مراوغة حول العلاقة بين فرنسا ولبنان. بالرغم من أن عددًا من الشخصيات السياسية الفرنسية اعتبرت أن زيارة "ماكرون" تنم عن أبوية الاستعمار الجديد، فإن التاريخ يكشف، كما هو الحال دائمًا، أن الحقيقة أكثر تعقيدًا.

 

وعلقت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية على هذه الصورة، قائلة: ترافقت الهتافات العديدة لرئيس الدولة الاستعمارية السابقة للبنان مع مزيد من السخرية من أعضاء المؤسسة السياسية اللبنانية الحالية، ومن المفهوم أن أياً منهم لم يرافق "ماكرون" إلى الحي.

 

كانت هناك هتافات "عون إرهابي!" و"سيدي الرئيس، أقرضنا مقصلة!" واعتبر "ماكرون" أن ما يراه هو نوع من "الغضب الصحي" وقال لأحد الرجال "إنني أتفهم غضبك"، متعهدا "بتحمل التزاماته تجاه لبنان".

 

الجزء الأخير من الفقرة السابقة تحديدا هي ما يجب أن نركز عليه، وبالفعل تساءلت الصحيفة الأمريكية: "ما الذي يمكن أن تقدمه فرنسا كقوة استعمارة سابقة لتلك البلدان التي كانت مستعمرات؟".

 

أعلن "ماكرون" خلال زيارته إلى الجميزة، انتهاء الحقبة السابقة في لبنان، في إشارة إلى حكم الطوائف الدينية السياسية التي وصلت إلى السلطة في عام 1990 والتي تسببت في الفساد المدقع الذي ابتليت به البلاد منذ ذلك الحين.

 

إعادة بناء النظام السياسي

 

بعد لقائه بأعضاء بارزين في المجتمع المدني اللبناني، الذين تظاهروا ضد الحكومة قبل الانفجار بفترة طويلة، أكد "ماكرون" مجددًا أنه يجب إعادة بناء "النظام السياسي".

 

ولكن كيف؟ بينما بدا إعلان "ماكرون" حاسمًا، يبقى الشيطان في التفاصيل.

 

وقد حذرت "لوموند" الفرنسية من أن أي جهد دبلوماسي جديد بقيادة فرنسا يخاطر بتكرار الجهود القديمة والوقوع في نفس الجمود الذي أدى إلى المأزق الحالي.

 

وفي هذا الصدد لم تكن دعوة "ماكرون" خلال لقائه قادة الفصائل السياسية إلى "حكومة وحدة وطنية" مسألة مطمئنة، فهذه هي نفس الصيغة، التي تشكل الوضع الحالي، حيث تحول أساس السلام في عام 1990 -تقاسم السلطة بين المسيحيين الموارنة والشرقيين الأرثوذكس، والمسلمين السنة والشيعة- إلى تقسيم الثروات بين هذه الفصائل نفسها.

 

وتعليقا على هذا يقول "روبرت زاريتسكي"، المحلل وأستاذ التاريخ الفرنسي الحديث بجامعة هيوستن، إن هذا الوضع، الذي عزز الطابع الطائفي وكذلك الفساد المزمن للبلاد، لا يمكن إصلاحه بسرعة أو بسهولة. بل يحتاج لعمل طويل الأمد.

 

هل توجد قدرة حقيقية؟

 

ويتساءل "زاريتيسكي": هل لدى "ماكرون" الوقت أو الوسائل للمتابعة بطريقة هادفة؟

 

على صعيد الوسائل، أكد "ماكرون" أن المساعدة المالية التي وعد بها للبنان ستقدم لمؤسسات ومنظمات شفافة توزعها مباشرة على المحتاجين.

 

أما بالنسبة لوزارات الدولة، فقد كان وزير الخارجية "جان إيف لودريان" صريحا: "لن نعطي فلسا واحدا لهذه الطبقة السياسية".

 

ويقول "زاريتيسكي" إن"نفوذ فرنسا ليس بالقدر الذي قد توحي به روابطها الاستعمارية الجديدة المزعومة".

 

لا يقتصر الأمر على أن فرنسا ليس لديها روابط اقتصادية مهمة مع لبنان -فهي تحتل المرتبة السادسة فقط كمصدر للبنان- ولكن لبنان لم تعد تتمتع بنفس القيمة الاستراتيجية بعد تراجع القضية الفلسطينية.

 

قد يكون ما يربط فرنسا ولبنان حقًا هو لغة مشتركة بالإضافة إلى أكثر من عشرات اللبنانيين الذين يعيشون في فرنسا ويطلقون على باريس اسم "بيروت على نهر السين".

 

أما بالنسبة للوقت، فليس لدى "ماكرون" سوى القليل، حيث لم يتبق سوى أقل من عامين قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2022.

 

وسوف تستهلك جائحة "كورونا" التي ضربت فرنسا، مثل باقي دول العالم، الكثير من الوقت بين الحين والآخر بسبب الأزمات الطبية والاجتماعية والاقتصادية التي أشعلتها.

 

وفي الوقت الحالي، فإن الفرنسيين أقل حماسًا بكثير تجاه "ماكرون" من اللبنانيين.

 

فقبل وقت قصير من زيارته للبنان، أعرب 39% فقط من الناخبين عن ثقتهم في "ماكرون".

 

بالطبع، يمكن أن تتحسن الأرقام  لكن من المشكوك فيه أن يكون لدى "ماكرون" الوقت والموارد لدعم لبنان.

اعلان