سد النهضة| وثيقة الخبراء تخلط الأوراق.. رفض وتحفظ وترحيب
حلقة جديدة في سلسلة مفاوضات سد النهضة انطلقت أمس الأحد مع بداية عام 2021، حيث عقد وزراء خارجية وري مصر وأثيوبيا والسودان جولة مفاوضات جديدة، إلا أنها لم تسفر سوى عن مزيد من التوتر القائم بين الجهات الثلاث، في ظل إصرار إثيوبيا على عدم التوقيع على إتقافية تلزمها بالحفاظ على حقوق مصر التاريخية في نهر النيل.
وعقدت مفاوضات أمس برئاسة جنوب إفريقيا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، وبمشاركة المراقبين الذين يشاركون في المفاوضات والخبراء المعينين من قبل مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وناقش الاجتماع وثيقة قدمها خبراء الاتحاد الأفريقي، والتي اعتبرتها إثيوبيا أنها إيجابية، كما رحبت السودان بالوثيقة باعتبارها تطور في المفاوضات ولكن غير كافية في ظل عدم تحديد دور واضح للخبراء في تسهيل التفاوض واقتراح حلول في القضايا المستقبلية، في حين أبدت مصر اعتراضها على الوثيقة، وذلك وفقا لما أعلنته وزارة الري الإثيوبية، فيما خلا البيان المصري من أي إشارة لتلك الوثيقة، وهو ما يعزز التكهن بأن القاهرة ترفضها أو ترفض أصلا الاعتراف بوجودها في ظل عدم وجود إطار متفق عليه يحدد دور الخبراء ويمنحهم حق تقديم مسودات للحل أو مقترحات وسيطة.
وعقب انتهاء الاجتماع أصدرت وزارة المياه الإثيوبية، بيانا صحفيا، أعربت خلاله عن نظرتها الإيجابية تجاه مشروع الوثيقة التي قدمها خبراء الاتحاد الإفريقي، مؤكدة أنها لن توافق على صفقة سد النهضة التي ستحد بأي شكل من الأشكال من حقها في استخدام مياه النيل.
وجاء في بيان وزارة المياه الإثيوبية إنه خلال الاجتماع تبادل وزراء الدول الثلاث وجهات النظر حول استمرار المفاوضات الثلاثية بالتركيز على مسودة وثيقة قدمها الخبراء الذين عينهم رئيس الاتحاد الأفريقي.
وزعم البيان أن السودان رحب بالوثيقة باعتبارها تقدم في المفاوضات ونقلت استعداها للمضي قدما في المفاوضات بدور محدد لخبراء الاتحاد الأفريقي، في حين أن مصر رفضت الوثيقة رفضا قاطعا.
وشدد البيان على أن إثيوبيا لن توافق على أي اتفاق يحد من حقها في استخدام مياه النيل بأي حال من الأحوال، مشيرا إلى أنه قد تم الاتفاق على معظم القضايا المتعلقة بالملء الأول والتشغيل السنوي لسد النهضة، وأن الاختلاف الرئيسي يكمن في العلاقات المشتركة بين إرشادات وقواعد سد النهضة ومشاريع تنمية المياه المستقبلية في حوض النيل.
وكانت إثيوبيا أعلنت فى وقت سابق، أمس الأحد، على لسان وزير الري والمياه الإثيوبي سليشي بقلي، إنَّ نسبة البناء في سد النهضة بلغت 78٪.
أسبوع للتفاوض
ومن جانبها أكدت مصر على ضرورة التوصل في أقرب فرصة ممكنة على اتفاق على سد النهضة، وقبل بداية المرحلة الثانية من ملء خزان السد، وبما يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويؤمن في الوقت ذاته حقوق مصر ومصالحها المائية.
وكشفت بيان الخارجية المصرية عن عقد اجتماع سداسي وزاري آخر نهاية هذا الأسبوع برئاسة جنوب أفريقيا للنظر في مخرجات جولة المفاوضات الثلاثية.
وقد انتهى الاجتماع السداسي، أمس الأحد، إلى التوافق على عقد جولة مفاوضات بين الدول الثلاث تمتدّ لمدة أسبوع بهدف التباحث حول الجوانب الموضوعية والنقاط الخلافية في اتفاق سد النهضة.
فى السياق ذاته أعلنت وزارة الري السودانية، أن أطراف مفاوضات سد النهضة تبنت مقترح السودان وستخصص الأسبوع الجاري لاجتماعات ثنائية مع الخبراء والمراقبين.
وأوضحت الوزارة في بيان، أمس الأحد أنه "بدعوة من وزيرة التعاون الدولي بجنوب افريقيا، دكتورة جي باندورا، عقد بعد ظهر اليوم اجتماع ثلاثي بين السودان ومصر وإثيوبيا بحضور خبراء الاتحاد الإفريقي والمراقبين الدوليين للنظر في إمكانية استئناف مفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة".
واستعرضت الدول الثلاث خلال الاجتماع مواقفها بشأن إمكانية التوصل إلى صيغة تسمح باستئناف المفاوضات في ظل التطور الايجابي بتقديم الخبراء الأفارقة لمذكرة اتفاق للدول الثلاث.
ورحب السودان بهذا التطور واعتبره غير كافٍ في ظل عدم تحديد دور واضح للخبراء في تسهيل التفاوض واقتراح حلول في القضايا المستقبلية.
وخلص الاجتماع إلى تبني مقترح السودان بأن يخصص هذا الأسبوع لاجتماعات ثنائية بين الدول الثلاث وفريق الخبراء والمراقبين.
وطلبت الدكتورة جي باندورا، أن تخصص هذه الاجتماعات لتحديد نقاط الاتفاق والخلاف بين الدول الثلاث على أن تعاود الاجتماعات الثلاثية انعقادها في يوم الأحد 10 يناير على أمل أن تختتم المفاوضات بنهاية شهر يناير الحالي وقبل انتهاء رئاسة جنوب افريقيا لدورة الاتحاد الإفريقي.
خبراء: المفاوضات ستفشل
وتعلقيا على عودة المفاوضات حول سد النهضة، قال محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، إن التصريحات الإثيوبية غير منضبطة إلى حد كبير، مشيرا إلى الرد الإثيوبي على البيان المصري بإنهم لن يقبلوا بأي اتفاق يحد من استخدام حقوق أثيوبيا المائية.
وأضاف علام، خلال مداخلة هاتفية مع برنامج رأي عام المذاع عبر فضائية "TEN"، أن البيان الإثيوبي غير واضح وفيه تناقض، ولكنه يبدو أنه ردا على البيان المصري، لافتا إلى أن التوتر قائم بين الجهات الثلاث وهو ما ينذر بعدم سهولة التوصل إلى نتيجة حقيقية في نهاية هذا الأسبوع.
ولفت إلى أن مصر أعربت عن تخوفها من أن الخبراء غير كافيين للبت في النقاط الخلافية، وأنه كان يجب الاستعانة ببعض الخبراء الأفارقة المعروفين أو الخبراء الدوليين، مضيفا أن المؤشرات كلها تتجه إلى احتمالية سلبية المفاوضات.
رسائل خاشنة
في السياق نفسه قال الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن مصر أبدت مرونة لا تتحملها الجبال، مع إثيوبيا التي تسمى بالكيان وليس دولة كونها مكونة من مجموعة أقاليم عرقية متصارعة على استئناف مفاوضات سد النهضة.
وأضاف رسلان، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى مقدم برنامج على مسؤوليتي المذاع عبر فضائية صدى البلد، أن مصر صبرت صبرا طويلا تُحسد عليه القيادة السياسية، مستطردا:"ولكن إثيوبيا لا تحترم المواثيق أو المعاهدات الدولية.
وتابع :"حان الوقت كي تأخذ مصر الأمر بيدها"، موضحا أن إثيوبيا لا يصلح معها مفاوضات، بدليل ما يحدث في بلادهم من صراعات تعود إلى زمن العصور الوسطى، مشددا على أنه يجب أن تكون هناك رسائل خشنة تجاه العنجهية الإثيوبية الفارغة.
واستطرد:"الأمن القومي المصري والسوداني لا ينفصلان، وإثيوبيا ترغب في لفت الانتباه بعيدا عن مشاكلهم الداخلية"، مؤكدا أنه ليس هناك فائدة من التفاوض مع الطرف الإثيوبي، بل يجب مخاطبتهم باللغة التي يفهمونها.
وتعقيبا على استئناف المفاوضات، قال رسلان إنه ليس فيها جديد إذ لا تزال إثيوبيا على موقفها بعدم توقيع أي اتفاق ملزم، وهو ما يعني عدم الالتزام بأي تعهدات مكتوبة وملزمة فيما يتعلق بالتصرف في المياه المحتجزة خلف السد.
توتر العلاقات
ويأتي استئناف المفاوضات حول سد النهضة، في الوقت الذي تسود فيه حالة من التوتر بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبي، التي تطرق فيها إلى الداخل المصري بشكل مسيء.
واستدعت وزارة الخارجية المصرية، الخميس الماضي، القائم بالأعمال في سفارة إثيوبيا بالقاهرة لطلب توضيح حول تصريحات للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية تخص الشأن الداخلي لمصر.
وأدعى المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، في تصريحات له أن مصر حولت إثيوبيا إلى خطر قائم هروبا من مشاكلها الداخلية.
وتعقيباً على ذلك، أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ، على إدانة هذه التصريحات التي تعدُ تجاوزاً سافراً، وهي غير مقبولة جملةً وتفصيلاً.
واعتبر المتحدث باسم الخارجية المصرية أن تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية تمثل خروجاً فجاً عن الالتزامات الواردة في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، والذي ينص بوضوح في مادته الرابعة على التزام الدول الأعضاء بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، ويعد خروجاً عن القيم الأفريقية العريقة التي تزكي الاخاء واحترام الآخر.
وشدد المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية على أن مثل هذا التهجُم على الدولة المصرية والتجني في تناول شؤونها الداخلية، لا يمثل سوى استمرار لنهج توظيف النبرة العدائية، وتأجيج المشاعر لتغطية الإخفاقات الإثيوبية المتتالية على العديد من الأصعدة داخلياً وخارجياً.
وتابع :"في حين أن مصر آثرت الامتناع دوما عن التطرق بأي شكل للأوضاع والتطورات الداخلية في أثيوبيا"، مضيفاً أنه كان من الأجدر على المتحدث الإثيوبي الالتفات إلى الأوضاع المتردية في بلاده التي تشهد الكثير من النزاعات والمآسي الإنسانية التي أفضت إلى مقتل المئات وتشريد عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، وآخرها ما يدور في إقليميّ تيجراي وبني شنقول على مرأىَ ومسمع من الجميع".
قضية وجودية
والأسبوع الماضي، جددت مصر تأكيدها على أهمية التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي. جاء ذلك خلال اتصال بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، والذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، وتتولى رئاسة الوساطة الأفريقية في مفاوضات سد النهضة.
ووفقا لبيان الرئاسة المصرية، أكد السيسي "ثوابت موقف مصر من حتمية بلورة اتفاق قانوني ملزم يضم الدول الثلاث، اتفاق يحفظ حقوق مصر المائية من خلال تحديد قواعد ملء وتشغيل السد، وذلك على خلفية ما تمثله مياه النيل من قضية وجودية لمصر وشعبها".
وسبق أن أعلنت أثيوبيا انتهاء المرحلة الأولى من عملية ملء خزان سد النهضة، وأنها تخطط لبدء المرحلة الثانية لملء خزان السد في أغسطس 2021 مع بداية موسم الأمطار بهدف تخزين 18.4 مليار متر مكعب من المياه.
ماراثون تفاوضي
ولم تتمكن الدول الثلاث من الوصول إلى توافق بجدول محدد حول التصرفات المائية المنطلقة من سد النهضة في الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق، ولا توجد إجراءات واضحة من الجانب الإثيوبي للحفاظ على قدرة السد العالي على مواجهة الآثار المختلفة التي قد تنتج عن ملء وتشغيل سد النهضة، خصوصا إذا واكب ذلك فترة جفاف أو جفاف ممتد لعدة سنوات متتابعة.
وتسعى مصر والسودان للتوصل لاتفاق ملزم قانونا، يضمن تدفقات مناسبة من المياه وآلية قانونية لحل النزاعات قبل بدء تشغيل السد، غير أن إثيوبيا، احتفلت في أغسطس، بالمرحلة الأولى من ملء السد بشكل منفرد، وتصر على استكمال عملية الملء والتشغيل دون اتفاق.
وتتمسك مصر بحقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، وبالقرارات والقوانين الدولية في هذا الشأن، وترفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها أديس أبابا، وتطالب إثيوبيا بضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي.
ولعبت واشنطن دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين إثيوبيا والسودان ومصر، للوصول لحل للقضايا العالقة بين الأطراف بشأن سد النهضة، لكن وبعد مفاوضات ماراثونية رفضت إثيوبيا التوقيع على صيغة اتفاق اعدتها واشنطن بالتعاون مع البنك، فيما وقعت عليها مصر بالحرف الأولى، بينما وافق السودان على مسودة الاتفاق لكنه ربط توقيعه بالتوقيع الإثيوبي لتجنب اتساع الفجوة بين الأطراف الثلاثة.