سد النهضة| مصر والسودان تتمسكان بتفاوض يؤدي إلى «اتفاق ملزم»
جددت مصر والسودان، في مواقف منفصلة، اليوم الأربعاء، تمسكهما بمواصلة التفاوض مع إثيوبيا حول ملء وتشغيل سد النهضة، لكنهما شددتا على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وشامل، في إشارة لرفض العرض الإثيوبي الأخير بالتوصل لاتفاق جزئي استرشادي حول ملء السد فقط.
وتريد إثيوبيا اتفاق جزئي غير ملزم، يتعلق بقواعد استرشادية لملء السد، على أن يتم التفاوض عقب ذلك على اتفاق شامل يتضمن آلية التشغيل وتقسيم حصص المياه، وهو ما ترفضه الخرطوم والقاهرة بشدة.
وأشار بيان للحكومة السودانية إلى أن الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس مجلس الوزراء، ترأس اليوم الأربعاء الاجتماع المشترك للجنة العليا لمفاوضات سد النهضة والفريق السوداني المفاوض، حيث ناقش الاجتماع باستفاضة سير العملية التفاوضية والتطورات التي شهدتها في الأسابيع الاخيرة، وقدم الاجتماع دعمه الكامل للوفد المفاوض واقر سلسلة من الإجراءات السياسية والدبلوماسية لتعزيز الموقف التفاوضي بما يحفظ المصالح الوطنية.
وأوضح البيان أن رئيس الوزراء شدد على تمسك السودان بالتوصل لاتفاق شامل وملزم حول الملء الأول للسد وتشغيله والمشاريع المستقبلية باعتبار أن لا خيار سوى مسارات التفاوض بين الدول الثلاث لحلحلة القضايا القانونية والفنية العالقة.
ولفت البيان إلى أن حمدوك سيجري اتصالات مكثفة خلال الأيام القادمة مع الاطراف المعنية بهذا الملف وفي مقدمتهم السيد سيريل رامافوزا، رئيس جنوب أفريقيا، لعرض موقف السودان والترحيب بما جاء في خطابه الاخير المؤكد لموقف تقرير خبراء الاتحاد الافريقي بشأن اجندة المفاوضات.
من جانبه، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات تليفزيونية عقب الإدلاء بصوته في انتخابات مجلس الشيوخ، أن مصر مستمرة "في إعطاء الأولوية للمفاوضات"، مضيفا: "سوف نستمر من خلالها (المفاوضات) في الحرص والحفاظ على مصالح مصر المائية واتخاذ كل إجراء، وكل مؤسسات الدولة تعمل على حماية حقوق مصر المائية".
وفي مقابل تلك المواقف المتمسكة بالتفاوض، واصلت إثيوبيا تصريحاتها العدائية، وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، أمس الثلاثاء، إن إثيوبيا ليس لديها أي مشكلة مع مصر حتى يتم استغلالها، ولكن المشكلة تظهر عندما تحاول مصر احتكار نهر النيل وهو أمر مستحيل.
وقال مفتي خلال تصريحات نشرتها وزارة الخارجية الإثيوبية: "ليس لدينا مشكلة مع مصر، تظهر المشكلة عندما تحاول مصر المطالبة باحتكار نهر النيل وهو أمر مستحيل. يحق لجميع البلدان المشاطئة استخدام هذه الطبيعة التي وهبها الله". وتابع: "بالتالي فإن ادعاء الاحتكار ليس صحيحا. ما يدعيه الآخر بحقه التاريخي الذي منحه إياه الاتفاق الاستعماري هو أيضا لا يصلح لأن ذلك لا يتطابق مع حس الإنصاف والعقلانية".
يأتي ذلك فيما شن الدكتور محمد نصر علام، وزير الري المصري السابق، هجوما عنيفا ضد الطريقة التي تدير بها الحكومة الإثيوبية ملف سد النهضة، متهما إياها بخداع الشعب الإثيوبي حول الفوائد الحقيقية من وراء بنائه.
وقال علام، في صفحته على فيسبوك، إن "مصر تعاني بالفعل أزمة مائية كبيرة، وليس لها أي موارد مائية احتياطية الا إعادة الاستخدام مرة واتنين وتلاتة وأكثر بالإضافة إلى التحلية. كفاءة الاستخدامات المائية هي الأعلى في المنطقة وفى افريقيا، ولا يعود ذلك لوسائل ري متطورة بقدر الاعتماد على اعادة استخدام المياه والفواقد للمصارف العديد من المرات".
وأضاف علام: "الأفلام والدعايات والاشاعات الأثيوبية الكاذبة عن مخزون مصر الجوفي هدفه التشويش على داخل أثيوبيا ولكن الخارج كله يعلم الحقيقة وأن مخزون الحجر النوبي مشترك مع دول اخرى وان أقصى ما يمكن استخدامه حاليا لا يتعدى من ٤-٥ مليار متر مكعب سنويا على الأكثر، تكاد لا تكفي ما عليه من استخدامات شرب وزراعة وصناعة".
وتابع: "المقالات والبوستات الاثيوبية التي تتحدث عن حق اثيوبيا كدولة المنبع في حصة من النيل الأزرق تبعا لمبادئ القانون الدولي للاستخدام العادل والمنصف للمياه، حق يقصد به باطل، فحتى اتفاقية الامم المتحدة لعام 1997 والتي لم توافق عليها أثيوبيا، ذكرت أن هذه القواعد للاستخدام العادل والمنصف ولا تلغى ما هو قائم من اتفاقيات سابقة".
واعتبر وزير الري المصري الأسبق أن "ما تريده أثيوبيا من مصر باختصار هو تبوير الأراضي الزراعية ووقف أنشطة زراعية وصناعية وسكانية واعطاء المياه لأثيوبيا لتبيعها مرة ثانية لمصر لتعيش على قفا المصريين، ولإنشاء مزيد من مشروعات الطاقة لتصديرها ويبقى الشعب الإثيوبي بدون خدمات لجلب المعونات الاجنبية كما هو الحال الآن".
وأضاف: "مكان الجدال حول فعالية الاتفاقيات الدولية هو التحكيم الدولي وليس طاولة المفاوضات، فهل ينتظر أي أبله (من البلاهة) أن تتنازل دولة عن مقومات حياتها لدولة أخرى لكي تبيعها لها مرة ثانية. الحكومات الأثيوبية تستخدم معونات الفقر التي تزيد عن ٣ مليار دولار سنويا، في بناء السدود وشراء السلاح، ثم تتهم مصر بأنها سبب تخلف الشعب الإثيوبي لأنها تستولى على مياه النيل الأزرق".
ثم تساءل علام: "أرجو من اصدقائي الأثيوبيين ايضاح اذا كان مينلك التاني ده راجل كويس وبالفعل أطلقتم عليه "ملك الملوك"، وهو الذى عقد اتفاقية ١٩٠٢ بعدم الاعتداء على النيل الأزرق نظير أرض من السودان بالناس اللي عليها "بنى شنجول"، طيب مالها بقى الاتفاقية !؟".
وكانت مصر والسودان قد طلبتا تأجيل المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي، بعد استئنافها الإثنين الماضي، لمدة أسبوع لإجراء مشاورات داخلية. وقالت وزارة الري السودانية "طلب الوفد السوداني في بداية الجلسة تأجيل المفاوضات لمدة أسبوع لمواصلة المشاورات الداخلية التي يجريها الفريق المفاوض"، موضحة أن طلب تأجيل المفاوضات يرتبط "بالتطورات التي شهدتها المفاوضات في الآونة الأخيرة".
وكان السودان ومصر قد تلقيا الأسبوع الماضي اقتراحا إثيوبيا مفاده ربط اتّفاق تشغيل سدّ النهضة باتفاق شامل بشأن تقاسم مياه النيل الأزرق، وهو ما قابلته الدولتان بالرفض الشديد، وتعليق المفاوضات للتشاور الداخلي. وذكرت مصر أن الاقتراح الإثيوبي لحل أزمة السد يفتقر تماما إلى ضوابط تشغيله أو أي آلية قانونية ملزمة لأديس أبابا.
ويعد سد النهضة مصدر توتر بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى منذ 2011، ويتوقع أن يصبح السد أكبر منشاة لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في إفريقيا وتقوم إثيوبيا ببنائه على النيل الأزرق الذي يلتقي مع النيل الأبيض في الخرطوم لتشكيل نهر النيل.
وترى إثيوبيا أن السد ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية، في حين تعتبره مصر تهديداً حيوياً لها إذ يعتبر نهر النيل مصدرا لأكثر من 95% من مياه الري والشرب في البلاد.
ورغم حث مصر والسودان إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل لاتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة 4,9 مليارات متر مكعب والتي تسمح باختبار أول توربينتين في السد,