عودة مفاوضات سد النهضة.. مسار جديد أم تكرار لمسلسل الفشل؟
بعد نحو شهر من توقف المفاوضات بشأن سد النهضة الأثيوبي، اتفق السودان وأثيوبيا على استئناف المفاوضات مجددا الأسبوع المقبل، وذلك بعد المباحثات التي عقدها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مع نظيره الأثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا بالأمس.
وكانت المفاوضات قد توقفت الشهر الماضي، بعد مقاطعة سودانية لجلسات التفاوض لعدم جدواها واعتمادها على منهج قديم، حيث طالبت وزارة الري السودانية بتغيير منهجية التفاوض وإعطاء الخبراء دورا أكبر لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث "مصر، أثيوبيا، السودان".
استئناف المفاوضات
وأعلنت الحكومة السودانية اتفاقها مع أثيوبيا لاستئناف المفاوضات، خلال الأسبوع المقبل، وذلك بعد مباحثات أجراها رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، خلال زيارته إلى أثيوبيا أمس الأحد، مع نظيره الأثيوبي آبي أحمد.
ووصف رئيس الوزراء السوداني تلك المباحثات بـ"المثمرة"، حيث توصل الجانبان لتفاهمات حول العديد من القضايا المشتركة، كما أعرب السودان عن تضامنه مع العملية الأمنية التي نفذتها الحكومة الأثيوبية ضد مسلحي الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي.
أبرز التحديات
في سياق متصل قال وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين، إن سد النهضة الأثيوبي، يمثل أبرز التحديات التي تهدد الأمن القومي السوداني.
فيما أعلن وزير الري والموارد المائية ياسر عباس أن سعة تخزين سد النهضة تساوي 10 أضعاف سعة خزان الروصيرص الذي يبعد نحو 15 كليومتر من الاول، الأمر الذي يشكل تهديدا للأمن المائي السوداني إذا حدث أي تشغيل غير آمن، مما يتطلب تبادل المعلومات مع الجانب الاثيوبي بشكل يومي.
وقال عباس، إن الملء الاول الذي لم يتجاوز 4 مليار متر مكعب تسبب في هبوط منسوب النيل الازرق وخروج محطات المياه عن الخدمة لأيام.
ولفت إلى أن تكرار السيناريو الخريف المقبل بتخزين 13 مليار ونصف متر مكعب من قبل إثيوبيا يعني بأن تشغيل سد الروصيرص شبه مستحيل فضلا عن تضرر 70٪ من القطاع المروي الواقع على ضفة النيل الازرق.
وسبق أن حذر عباس، من أن فوائد سد النهضة قد تتحول إلى مخاطر عظيمة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي وملزم لتبادل المعلومات بين سدي النهضة الأثيوبي والروصيص السوداني.
وأوضح عباس، في تصريحات يوم 2 ديسمبر الجاري، أن تباعد مواقف أثيوبيا ومصر بشأن سد النهضة، دفع بلاده إلى التمسك بمنح دور أكبر للاتحاد الأفريقي لرعاية المفاوضات، معتبرا أن المفاوضات أظهرت تباعدا بمواقف التفاوض بين مصر وأثيوبيا.
موقف السودان من المفاوضات
وقبل 4 أيام كانت وزارة الخارجية السودانية بالاشتراك مع وزراتي الري والموارد المائية السودانية قد أكدا على أهمية الاستمرار في التفاوض كوسيلة وحيدة لحل الخلافات القائمة بين الدول الأطراف في أزمة سد النهضة.
وبحسب السفير محمد شريف عبد الله وكيل وزارة الخارجية فإن السودان هو أكثر الدول الأطراف في مفاوضات سد النهضة تضرراً من قيام السد، وذلك إذا لم يتم التوصل لاتفاق ملزم بينها حول ملء ووتشغيل سد النهضة.
وأكد زير الخارجية السوداني أن بلاده تواصل جهودها لشرح موقفه والمخاطر التي يتعرض لها مواطنوه ومنشآته الإستراتيجية القائمة على مسار النيل الازرق وعلى رأسها سد الروصيرص.
وأكد التزام السودان واحترامه لوساطة الاتحاد الافريقي ورغبته في أن تثمر عن حل يضمن الخروج بإتفاق ملزم لكل الأطراف وفقاً لاساليب تفاوضية جديدة يتم الاتفاق عليها مع منح خبراء الاتحاد الافريقي دوراً اكبر لحل الخلافات القائمة بين أطراف المفاوضات وذلك في إطار ترسيخ مبدأ الحلول الافريقية للقضايا الأفريقية .
هل تنجح المفاوضات القادمة؟
وتعليقا على اتفاق السودان وأثيوبيا على استئناف المفاوضات، قال الخبير السوداني أحمد المفتي، أستاذ القانون الدولي، إنه لا يتوقع أن تتوصل تلك المفاوضات التي ستجرى الأسبوع المقبل لأي اتفاق أو نتيجة لصالح السودان أو مصر، وإنما ستؤول إلى مصير المفاوضات التي دارت منذ عام 2011.
وأضاف المفتي، في منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك، إن السودان ومصر يطالبان بأن يكون الاتفاق ملزما، ولكن سبق لهما أن تنازلا عن ذلك الحق، حيث منحا أثيوبيا بموجب المبدأ رقم 5 من إعلان مباديء سد النهضة الحق في ضبط الخطوط الإرشادية وقواعد الملء والتشغيل التي يتم الاتفاق عليها.
وتابع :"سوف يكون المستفيد الوحيد من تلك المفاوضات كالعادة هي أثيوبيا، لأن استمرار المفاوضات يعطي أنشطة أثيوبيا التي تقوم بها حاليا في سد النهضة الشرعية الكاملة، مثل مواصلة التشييد وما تقوم به من ترتيبات لتوليد الكهرباء في يونيو 2021، وبدء الملء الثاني في يوليو 2021، وهو ما أعلنته صراحة".
واستطرد: "الحل عندي ، كما سبق أن ذكرت مرارا وتكرارا، هو أن لا تبدأ المفاوضات إلا بعد أن توافق إثيوبيا على أن يكون الاتفاق ملزما، وأن توقف كل أنشطاتها في السد إلى حين التوصل لاتفاق ملزم.
وأردف: "إذا رفضت أثيوبيا الشرطين أعلاه، يرفع السودان ومصر الأمر إلى مجلس الامن بموجب الفصل السابع، وليس السادس كما فعلا من قبل، لأن الأمر أصبح مهددا للسلم والأمن الدوليين، ولا يمكن تركه للأطرف لتتصرف كما تشاء، وهو ما سوف يحدث إذا لم يتدخل مجلس الأمن منذ الآن، وبذلك يكونا قد وضعا مجلس الأمن أمام مسؤلياته".
من جانبه علق الدكتور محمد نصر علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، قائلا :"اتفاق سودانى أثيوبى على العودة لمفاوضات سد النهضة الأسبوع القادم بدون الاشارة الى اى تفاصيل عن أليات التفاوض المتفق عليها وموقف مصر والاتحاد الأفريقي، وصمت مصرى حول هذه المحاولات لإظهار استقرار أثيوبيا فى ظل صراعاتها الداخلية".
وقال هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الإعلان عن استئناف المفاوضات يعكس: "حالة القنوط واليأس وقلة الحيلة بعد أن ظل هذا الوفد التفاوضى يرقص على الإيقاعات الإثيوبية لمدة عشر سنوات".
وأوضح رسلان، في منشور له عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك، أن السودان تطالب بدور أكبر للخبراء الأفارقة وكأنه سيأمر أثيوبيا باتفاق ملزم أو بآلية لتحكيم الخلافات أو تدابير الجفاف، رغم أنه من المعروف أن أثيوبيا سترفض كل ذلك.
موقف مصر
أما عن موقف مصر من مفاوضات سد النهضة الأثيوبي، فقد صرح الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الري والموارد المائية والري، أن مصر لديها إرادة سياسية للتوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، مؤكدا أن مصر مستعدة لاستئناف المفاوضات في وقت.
وأضاف عبد العاطي، في تصريحات لقناة الشرق للأخبار السعودية أمس الأول السبت، إن القاهرة توصلت فيما سبق إلى اتفاق ووقعت عليه، ولكن الطرف الأثيوبي هو من رفض التوقيع، كذلك السودان لم يوقع، منوها إلى أن مصر على استعداد لاستتئاف المفاوضات طالما توافرت الإرادة لدى الدول الثلاث.
ماراثون تفاوضي
ولم تتمكن الدول الثلاث من الوصول إلى توافق بجدول محدد حول التصرفات المائية المنطلقة من سد النهضة في الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق، ولا توجد إجراءات واضحة من الجانب الإثيوبي للحفاظ على قدرة السد العالي على مواجهة الآثار المختلفة التي قد تنتج عن ملء وتشغيل سد النهضة، خصوصا إذا واكب ذلك فترة جفاف أو جفاف ممتد لعدة سنوات متتابعة.
وتسعى مصر والسودان للتوصل لاتفاق ملزم قانونا، يضمن تدفقات مناسبة من المياه وآلية قانونية لحل النزاعات قبل بدء تشغيل السد، غير أن إثيوبيا، احتفلت في أغسطس، بالمرحلة الأولى من ملء السد بشكل منفرد، وتصر على استكمال عملية الملء والتشغيل دون اتفاق.
وتتمسك مصر بحقوقها التاريخية في مياه نهر النيل، وبالقرارات والقوانين الدولية في هذا الشأن، وترفض أي إجراءات أحادية تمضي فيها أديس أبابا، وتطالب إثيوبيا بضرورة الالتزام بمبادئ القانون الدولي.
ولعبت واشنطن دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين إثيوبيا والسودان ومصر، للوصول لحل للقضايا العالقة بين الأطراف بشأن سد النهضة، لكن وبعد مفاوضات ماراثونية رفضت إثيوبيا التوقيع على صيغة اتفاق اعدتها واشنطن بالتعاون مع البنك، فيما وقعت عليها مصر بالحرف الأولى، بينما وافق السودان على مسودة الاتفاق لكنه ربط توقيعه بالتوقيع الإثيوبي لتجنب اتساع الفجوة بين الأطراف الثلاثة.