محذرا من أن مصر تواجه أربع عواصف عاتية
نبيل فهمي: إثيوبيا تتمسك بأن تكون لها اليد العليا والوحيدة على النيل
اعتبر السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، أنه من الصعب الاطمئنان إلى تحقيق انفراجة في مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، مرجعا ذلك إلى أن "سياسة فرض الأمر الواقع الإثيوبية ما زالت هي الحاكمة لتحركها".
وحذر وزير الخارجية المصري السابق، في مقال نشره موقع "اندبندنت عربية" اليوم الإثنين، من أنه في "غياب حلول ترضي الجميع من المرجح أن تشهد المرحلة المقبلة توتراً وتصعيداً بين مصر وإثيوبيا على مستويات عدة، ويكون لها تداعيات واسعة وبالغة الخطورة على المدى الطويل، في ظل حساسية هذه المشكلة بالنسبة لمصر، التي تعتبرها قضية وجودية لمستقبل البلاد واحتياجات مواطنيها".
وانتقد فهمي اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته مصر وإثيوبيا والسودان في عام 2015، لافتا إلى أن البعض اعتبره "نقطة التقاء وانفراجه في المفاوضات، وإنما للأسف أثبتت الأحداث والتطورات غير ذلك، وظلت الاختلافات عالقة، نتيجة لتمسك إثيوبيا بمواقفها وقيامها بممارسات تعكس أن الخلاف ليس حول جوانب فنية فحسب، أو حتى حول معدلات مرور المياه عبر السد، وإنما تقع أساساً حول تمسك إثيوبيا بأن تكون لها اليد العليا والوحيدة على النيل".
ولفت إلى أن إثيوبيا "تتمسك بأن يترك الاتفاق الذي يتم التفاوض حوله حق التفسير والتعديل حسب الظروف لإثيوبيا وحدها، بخاصة بالنسبة لمعدلات تدفق المياه عبر السد، مما يخلق سابقة أولى في إدارة الأنهار عابره الحدود بأن يكون لدولة واحدة القرار السيادي والمستقل، وغرض إثيوبيا في ذلك يتجاوز سد النهضة ويرتبط بمشروعات لبناء سدود أخرى".
وتطرق فهمي إلى المفاوضات الأخيرة التي يرعاها الاتحاد الأفريقي برئاسة جنوب أفريقيا، لافتا إلى أنه "صدرت تصريحات وأقوال مختلفة ومتباينة وأحياناً من الأطراف المختلفة فتحدثت مصر والسودان عن أن هناك موافقة على أن يكون للاتفاق المستقبلي طبيعة إلزامية، وتحدث السودان عن آلية فض المنازعات، واقتراح قدمه يفتح الباب لإثيوبيا لبناء المزيد من السدود طالما تم الالتزام في ذلك بقواعد القانون الدولي المنظمة، بما في ذلك الحصول على موافقة الأطراف الأخرى".
بالتوازي مع ذلك، بحسب فهمي، "استمرت إثيوبيا في سياسة فرض الأمر الواقع، وأعلنت صراحة إنهاء الملء الأول للسد خلال المفاوضات ودون استئذان أي من الأطراف الأخرى، تأكيداً على حريتها في اتخاذ ما تراه من قرارات، وأضافت أن المياه أصبحت لها، وتجنبت التعرض لما اتفق عليه من عدمه، عدا أنه تقرر استئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية، وكان لافتاً للنظر أنها اختارت في هذا التوقيت بالذات تبادل الزيارات مع دول علاقاتها متوترة مع مصر".
ورأى وزير الخارجية السابق في مقاله أن مصر تواجه "أربع عواصف عاتية، تجعل الظرف الحالي في مسميات خبراء الأرصاد الجوية يصنف على أنه قريب من "العاصفة المكتملة"، لتعدد التحديات ومن اتجاهات مختلفة في آن واحد، بما لا يترك مساراً، أو مجالاً لتغير الطريق نحوه، ويفرض مواجهة المشكلات والتحديات مباشرة بحسم وحكمة للوصول إلى بر الأمان والاستقرار".
وأضاف: "أول تلك العواصف هي انخفاض معدل نمو الاقتصاد العالمي وانكماش التبادل التجاري، وما لهما من تداعيات اقتصادية على المستثمرين والخدمات المرتبطة بانتقال السلع وتبادلها عبر الأسواق، أو سفر السائحين من بلد لآخر، وجاءت تلك العاصفة في وقت كانت فيه مصر في أشد الحاجة لبدء طفرة اقتصادية بعد سنين عجاف اقتصادياً، وبعد اتخاذها إجراءات اقتصادية صعبة على مواطنيها".
ثان العواصف، بحسب فهمي، يتمثل في "المشهد السياسي والأمني الكارثي غرب البلاد في ليبيا، في غياب منظومة الدولة الليبية والمؤسسات الوطنية، وانتشار المتطرفين والمرتزقة المنقولين من ساحات أخرى بخاصة من المشرق، في ظل سكون وإغفال دولي وعالمي، فضلاً عن تبني تركيا أردوغان واليمين التركي نزعة وطنية وفلسفة أمن قومي بحرية جديدة حادة وخشنة، تحت مسمى "مافي فاتان أو الوطن الأزرق"، بطموحات واسعة في بحر إيجة والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط".
وأشار أن تركيا "تنطلق بقوة وبنظرة هجومية في شمال أفريقيا، بشكل موازٍ لما نشهده في المشرق العربي وشرق أفريقيا، سعياً للهيمنة على المنطقة، وتهدف في ليبيا إلى خلق المناخ السياسي والظروف الأمنية التي تشكل خطراً مباشراً على مصر، التي تحمّلها مسؤولية إفشال انتشار تيار الإسلام السياسي، فضلاً عن أنها نقطة الارتكاز الرئيس في منظومة الدولة الوطنية بالعالم العربي، التي تشكل عقبة أمام الجهود التركية لإعادة كتابة التاريخ واستعادة الأمجاد القديمة".
وشدد فهمي على تلك العاصفة "إن لم يتم التصدي لها سريعاً وبعيداً عن الحدود المصرية تحمل في طياتها مشكلات وأخطار عديدة، تجعل خيار التحرك المبكر على غرار ما يتم مع الأمراض الخبيثة والقاتلة هو السبيل الفعال الوحيد، على أن يتم ذلك من خلال جهد سياسي دولي يشمل روسيا وأوروبا وأمريكا، بحيث تواصل مصر اتصالاتها مع تلك الأطراف الرئيسة، ومع الدول الدائمة في مجلس الأمن، وحدها أو في جهد مشترك مع ألمانيا أو حتى تنضم إليها الجزائر دولة الجوار الليبي والرئيس القادم لقمة الدول العربية".
واعتبر وزير الخارجية المصري السابق أن "الخيار السياسي هو الخيار الأفضل، وإنما يحتاج إلى تحرك سريع لأن استمرار الوضع على الأرض على ما هو عليه شبه مستحيل، مع تعدد الأطراف المارقة وغير المسؤولة في الساحة الليبية، والمتوقع أن تستغل التوتر الجيوبوليتيكي وتسعى لاستثماره لصالحها، مما سيفرض خيار العمل العسكري بكل مخاطره وحساباته الدقيقة كخيار أوحد، حفاظاً على الأمن القومي المصري".
وبالإضافة إلى العاصفة المتمثلة في أزمة سد النهضة، تحدث فهمي عن عاصفة رابعة وصفها بـ "الكامنة لحظياً هي الواقعة شرق مصر، بتوقف عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وفي ظل مخاطر السعي للقضاء شبه الكامل على أمل حل الدولتين من خلال سياسات إسرائيلية لضم الأراضي الفلسطينية، وهدم أسس عملية السلام، حيث من شأنها أن تزرع مرة أخرى بذرة الإحباط واليأس، وتولد سلسلة جديدة من العنف المتبادل الفلسطيني الإسرائيلي، تدفع ثمنها شعوب المنطقة لعقود طويلة مقبلة".
واقترح فهمي عقد اجتماع مصغر لمصر والأردن بحضور الرئيس الفلسطيني بالإضافة إلى من يرى الحضور من أعضاء جامعة الدول العربية، بهدف "إجراء تقييم صريح وموضوعي لجدوى التمسك بالسعي لتحقيق حل الدولتين، أو وضع أسس جديدة للتحرك العربي حفاظاً على حق المواطن الفلسطيني في سياق الدولة الواحدة الفلسطينية الإسرائيلية، وإذا رأوا مواصلة السعي لحل الدولتين وضعوا خطة تحرك لمواجهة الجهود الإسرائيلية لضم الأراضي الفلسطينية وهدم أسس عملية السلام".
وانتهى وزير الخارجية السابق في مقاله إلى أن مصر "تواجه قضية أمن قومي حساسة غرباً وشرقاً وقضية وجودية جنوباً، في مناخ من الاضطراب والضباب الاقتصادي والمجتمعي العالمي، "عاصفة متكاملة" بكل معاني الكلمة، تفرض قرارات صعبة، وحسابات دقيقة، وعلى مصر مواجهتها جميعا بتوازن دقيق بين "الحكمة والحسم".