«صمت رهيب».. أين ذهبت مفاوضات سد النهضة؟
حالة من الصمت تخيم على مسار مفاوضات سد النهضة الأثيوبي، فبعد أسابيع من المفاوضات المتواصلة، ثم توقف التفاوض على أن يستأنف بعد أيام، لكن الأمور دخلت طور التجميد، وأصبح الصمت هو سيد الموقف، ما يثير التساؤل الملح: أين ذهبت المفاوضات؟ وما مصير القضايا محل الخلاف؟.
وسبق أن أعلنت أثيوبيا انتهاء المرحلة الأولى من عملية ملء خزان سد النهضة، وأنها تخطط لبدء المرحلة الثانية لملء خزان السد في أغسطس 2021 مع بداية موسم الأمطار بهدف تخزين 18.4 مليار متر مكعب من المياه.
فشل المفاوضات
كانت آخر جولات مفاوضات سد النهضة بين مصر وأثيوبيا والسودان، برعاية الاتحاد الأفريقي، قد انتهت قبل ما يقرب من شهر، بعد أسابيع من الاجتماعات اليومية والتي لم تنته بسوى مزيد من الفشل، وعدم التوصل لاتفاق ملزم لأثيوبيا ويرضي مصر والسودان، كما أعلنت ذلك مرارا وزارة الري والموارد المائية المصرية.
فبحسب البيان الذي أصدرته وزارة الري بتاريخ 28 أغسطس المنصرم، فإن المفاوضات انتهت بعدم التوافق بين الدول الثلاثة حول العديد من النقاط القانونية والفنية، بشأن النسخة الأولية المجمعة، المُعدة بواسطة الدول الثلاثة، وتتضمن حصرا لنقاط الخلاف والتوافق، لكنها لم ترق إلى عرضها على هيئة مكتب الإتحاد الإفريقي برئاسة جنوب أفريقيا، ليتم الاتفاق على أن تقدم كل دولة ورقة منفصلة تتضمن رؤيتها.
وتلك الاجتماعات التي انتهت بالفشل كانت قد انعقدت بناءً على مخرجات القمة الإفريقية المصغرة التي عُقدت 21 يوليو الماضي، وكذلك الاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والري من الدول الثلاث (مصر – السودان – إثيوبيا) الذى عقد يوم 16 أغسطس الماضي.
وتوافقت الدول الثلاثة على أن تقوم كل دولة منفردة بإرسال خطاب إلى رئيس جنوب أفريقيا، باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي، يتضمن رؤيتها للمرحلة المقبلة، لكن الاتحاد الأفريقي لم يعلق حتى الآن.
مصير المفاوضات مستقبلا
وبينما يخيم الصمت على ملف سد النهضة، فإن مصدرا مسؤولا صرح لصحيفة "الشرق الأوسط" اليوم الثلاثاء بأن مصر تواصل مشاوراتها الدولية بشأن سد النهضة خلال الفترة المقبلة في إطار تعاملها الدقيق مع القضية.
وفي الوقت ذاته لا يتوقع خبراء المياه والمعنيون بقضية سد النهضة أن تأتي المفاوضات مستقبلا بثمارها، محذرين من أن توقف المفاوضات يتيح لأثيوبيا مزيدا من الوقت لمواصلة تنفيذ عملية ملء السد دون التوصل لاتفاق يحفظ حقوق مصر والسودان.
وتعليقا على جمود موقف الاتحاد الأفريقي بشأن مفاوضات سد النهضة وصمت الجانبين المصري والسوداني، قال الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري والموارد المائية الأسبق، إن "الصمت الرهيب" هو شعار المرحلة الحالية للاتحاد الأفريقي حول مفاوضات سد النهضة.
وأضاف علام، في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع فيس بوك، أنه في الوقت الذي لا يخرج تصريح أو بيان من الاتحاد الأفريقي يسود صمت مصري سوداني، وهو ما اعتبره يحقق سعادة لأثيوبيا لاستنزاف الوقت وفرض سياسة الأمر الواقع.
وأشار وزير الري الأسبق إلى أن مصر تقوم عن طريق الخارجية بجهد دولى خارق لشرح وجهة نظر مصر حول مباحثات"سد النكبة"، على حد وصفه، فيتم تنظيم ندوات عن طريق سفاراتنا مع السفارات الأجنبية والمراكز العلمية وكبار المتخصصين الدوليين.
واعتبر علام أن الجمود في مفاوضات سد النهضة غير مبرر وغير مفهوم، مؤكدا أنه لا يجب إهدار مزيد من الوقت ولابد من خطوة جدية.
ولفت الوزير الأسبق، خلال تصريحات لـ"الشرق الأوسط" إلى أنه قد يكون لمصر اتجاه آخر، خصوصا أنها نشطت تحركاتها الدبلوماسية لدى واشنطن وغيرها، منوها إلى أن أثيوبيا تنتظر نهاية فيضان النيل لاستكمال عملية بناء السد قبل التوصل لاتفاق ملزم بعدم الإضرار بمصر والسودان.
وقبل يومين صرح السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي استقبل جان كابونجو، مستشار رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، الذي سلم رسالة من الرئيس "تشيسكيدي، تضمنت الإعراب عن دعم الكونغو الديمقراطية لمحددات الموقف المصري تجاه التعامل مع قضية سد النهضة.
نقل المفاوضات من "أفريقيا"
وحول جمود مفاوضات سد النهضة، قال نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، إنه ينبغي نقل ملف سد النهضة من جنوب أفريقيا، موضحا أن أثيوبيا تنسق معها لتجميد المفاوضات وعدم إعطاء مصر والسودان أية حقوق.
وأضاف نور الدين، عبر صفحته على موقع فيس بوك :"السدود على الأنهار الدولية العابرة للحدود مشكلة دولية وليست أفريقية، لأن اسمها أنهارا دولية، وبالتالي ينبغي نقل الملف بعد فشل وتجنيد جنوب أفريقيا إلى مجلس الأمن أو الاتحاد الاوروبي أو أمريكا أو البنك الدولي أو منظمة الأمم المتحدة للمياه، لا تتركوا الملف لأثيوبيا وحلفائها".
وفي مطلع شهر سبتمبر الحالي، أعلنت الولايات المتحدة رسميا أنها علّقت جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا ردا على قرار أديس أبابا البدء بملء السدّ قبل التوصّل لاتفاق مع مصر والسودان.
احتمالان لمستقبل المفاوضات
وفي سياق الحديث عن مستقبل مفاوضات سد النهضة، أكد عباس شراقي، خبير المياه المصري، أن هناك احتمالين، هما إما إعلان فشل المفاوضات وكتابة تقرير إلى مجلس الأمن بذلك، أو سعي الدول المعنية لتقريب وجهات النظر والتوصل لاتفاق يرضي الدول الثلاثة.
وقال شراقي، خلال تصريح لـ"RT"، إن الاحتمال الثاني هو الأقرب، إذ أن مصر تحرص دائما على استمرار المفاوضات واتباع سياسة النفس الطويل حتى التوصل لاتفاق مرضي لمصر والسودان ويحفظ حقوقهما وفي الوقت ذاته يحقق مصالح أثيوبيا.
وفي وقت سابق صعدت مصر قضية سد النهضة، بخطاب أرسلته إلى مجلس الأمن والذي أوصى بضرورة التوصل لاتفاق يحافظ على الحقوق التاريخية لمصر والسودان في سد النيل، على أن يتولى الاتحاد الأفريقي المفاوضات بين الدول الثلاثة حتى التوصل لاتفاق مرضي لجميع الأطراف المعنية.
وكان وزير الخارجية المصري السفير سامح شكري قد حذر، في كلمته أمام مجلس الأمن، من أن قضية سد النهضة لها تبعات مهولة على الشعب المصري، ما يتطلب بذل الجهود والتعاون من جانب المجتمع الدولي للوصول لحل عادل لهذه الأزمة.
وأكد شكري أنَّ أزمة سد النهضة تهدد مورد المياه لـ 100 مليون مصري وتشكل مخاطر على أمة بأكملها، مشيرا إلى أنَّ لجوء الدولة المصرية لمجلس الأمن جاء لتجنب التصعيد فى هذه الأزمة.
وتسبّب سد النهضة الإثيوبي في نزاع بين مصر وإثيوبيا منذ أن بدأ البناء العملاق في عام 2011، وتخشى مصر ألا يسمح السد بمرور كمية كافية من المياه أثناء فترات ملء الخزان، ما يؤثر بشكل خطير على سكان مصر البالغ عددهم 100 مليون نسمة، حيث يعتبر النيل بالنسبة لهم المصدر الوحيد للمياه تقريبًا.
ولعبت واشنطن دور الوسيط في المفاوضات الجارية بين إثيوبيا والسودان ومصر، للوصول لحل للقضايا العالقة بين الأطراف بشأن سد النهضة، لكن وبعد مفاوضات ماراثونية رفضت إثيوبيا التوقيع على صيغة اتفاق اعدتها واشنطن بالتعاون مع البنك، فيما وقعت عليها مصر بالحرف الأولى، بينما وافق السودان على مسودة الاتفاق لكنه ربط توقيعه بالتوقيع الإثيوبي لتجنب اتساع الفجوة بين الأطراف الثلاثة.
ولم تتمكن الدول الثلاث من الوصول إلى توافق بجدول محدد حول التصرفات المائية المنطلقة من سد النهضة في الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق. ولا توجد إجراءات واضحة من الجانب الإثيوبي للحفاظ على قدرة السد العالي على مواجهة الآثار المختلفة التي قد تنتج عن ملء وتشغيل سد النهضة، خصوصا إذا واكب ذلك فترة جفاف أو جفاف ممتد لعدة سنوات متتابعة.
وتشدد وزارة الري المصرية على ضرورة مرونة المنظومة المائية لمواجهة الظروف القاسية التي قد تنشأ عن ملء وتشغيل سد النهضة، إضافة إلى حالات الجفاف والآثار التي قد تنتج عن ظاهرة تغير المناخ.
ويخشى السودان ومصر أن يؤدي السد، إلى نقص في حصة كل منهما من المياه. ويثير المشروع مخاوف في مصر من تناقص أكبر في مياه النيل. وأخفقت مفاوضات شاقة جرت على مدى نحو عقد في التوصل لاتفاق لتنظيم كيفية ملء إثيوبيا لخزان السد وتشغيله دون المساس بحصص المياه الشحيحة لدولتي المصب.
ورغم حث مصر والسودان إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل لاتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة 4,9 مليارات متر مكعب والتي تسمح باختبار أول توربينتين في السد.