الجيوش لمكافحة كورونا.. مميزات متعددة لكن هناك مخاطر (تحليل)

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

21:45 10 أبريل 2020

من أبرز سمات تعامل الدول مع تفشي جائحة "كورونا" الحالية هي الاستعانة بالجيوش، وهي ظاهرة لاحظها محللون ومتابعون، نظرا لأن تجربة هذه الجائحة بتلك التفاصيل لم تتكرر في حياة ثلاثة أجيال تعيش في هذا العالم، تقريبا، من قبل.

 

وتنوعت المهام المسندة للجيوش، في ظل هذه الجائحة، ما بين المشاركة في تأمين المقدرات والمساعدة في إنفاذ القانون، لاسيما بعد فرض معظم الدول حظرا للتجوال، كإجراء احترازي للسيطرة على الفيروس، أو المساعدة في عمليات الإغاثة والعلاج.

 

ويتم نشر الجيوش، عادة، للرد على القضايا الأمنية غير التقليدية التي تهدد رفاهية الدول والمجتمعات، وبالرغم من توجيهات الأمم المتحدة أنه يجب استخدام الجيوش فقط كملاذ أخير، إلا أن الاستخدام المتزايد للجيوش في أجزاء كثيرة من العالم يعزى إلى اتساع الفجوة بين احتياجات السكان المتضررين من جهة وقدرة الجهات الفاعلة المدنية على الاستجابة لحالات الطوارئ والكوارث بسرعة وعلى نطاق واسع من جهة أخرى.

 

ومع تزايد الضغوط على الرعاية الصحية وقوات إنفاذ القانون وأنظمة الخدمة الاجتماعية بسبب الآثار الواسعة النطاق لجائحة "كورونا"، يتم استدعاء الجيوش.

 

وفي حين أن هناك مزايا من إشراك الجيوش في مكافحة الفيروس، هناك أيضًا قيود وعيوب محتملة للقيام بذلك، بحسب خبراء.

 

فلنبدأ أولا بالمزايا

 

يقول "أنجيلو باولو لونا ترياس"، الباحث في جامعة تشارلز داورين في أستراليا، إن الهيكل التنظيمي للجيوش يمكنها من توفير قدرات خاصة، مثل تعبئة موارد إضافية للتعامل مع المطالب غير العادية بسرعة لا يمكن لجهات أخرى في الحكومة القيام بها.

وتتكون القوات العسكرية من أفراد مؤهلين جسديًا يتم تنظيمهم بشكل واضح في فرق ذات تسلسل قيادي محدد.

 

ويضيف: إلى جانب الوصول إلى الأصول الرئيسية مثل الجسور الجوية، والجسور العائمة، والمركبات الثقيلة، فضلاً عن الخبرة اللازمة لصيانة تلك المركبات وتشغيلها، تتمتع الجيوش بقدرات فريدة يمكن للحكومات استخدامها أثناء الأزمات والكوارث على المستوى الوطني.

 

ويمكن للجيوش المساهمة بشكل فعال في الاستجابة للوباء في بلد ما.

 

وحتى الآن، نلاحظ ذلك في 6 مجالات رئيسية، هي: (1) دعم إنفاذ القانون؛ (2) المساعدة الصحية والطبية؛ (3) الخدمات اللوجستية والهندسية؛ (4) المساعدة الإنسانية؛ (5) إدارة الأزمات؛ (6) الأبحاث.

 

ويعتبر "ترياس" أن وجود الجيوش يخلق حالة من السيطرة والردع، وهذا مفيد بشكل خاص في الحفاظ على السلام والنظام في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، في مثل هذه الأزمات التي تثير الهلع.

 

ويمكن لتعبئة الجيوش أن تساعد في تقليل ومنع العصيان المدني والجرائم الانتهازية التي قد تعطل أو تقلل من فعالية الاستجابات للأوبئة.

 

ولتسطيح منحنى انتشار فيروس "كورونا"، تدعم القوات العسكرية، مثل تلك الموجودة في فرنسا وإيطاليا وماليزيا وبنما والفلبين وبيرو وإسبانيا، الشرطة في السيطرة على الحركة وفرض حظر التجول وفرض قيود السفر وإغلاق المؤسسات غير الضرورية.

 

ويجري تصميم العمليات العسكرية لتكون مكتفية ذاتيا.

 

لذا فإن القوات العسكرية لديها القدرة على تقديم ليس فقط الأفراد والخدمات، ولكن أيضًا الأصول والبنية التحتية اللازمة دون عبء إضافي على المدنيين، وهذا مفيد عند تقديم المساعدة الصحية والطبية، وكذلك الخدمات اللوجستية والهندسية.

 

وهناك أيضًا جيوش تقوم بأدوار غير تقليدية، بما في ذلك الأدوار التي لا تعتمد بالضرورة على القوة الغاشمة.

 

وعلى سبيل المثال، بدأ الجيش المصري ينشط في مجال التطهير والتعقيم بمعدات متطورة، استعرض الرئيس "عبدالفتاح السيسي" بعضها، مؤخرا، علاوة على شروعه في تنظيم أماكن وتجهيزها للحجر الصحي، في حالة تضخم أعداد المصابين، وجهز الجيش أيضا مئات من سيارات الإسعاف والآلاف من المعدات الطبية.

وفي إسبانيا، يبني الجيش مستشفيات مؤقتة، ويشارك في نقل الجثث بشكل آمن، بينما يشارك العسكريون في فرنسا المرضى.

 

وفي كوريا الجنوبية، تم نشر وحدات من الجيش الجنوبية لتطهير العديد من المناطق وتعقيم المرافق المصابة، واعتمد الجيش البريطاني على علماء في وزارة الدفاع لمساعدة الهيئات الصحية في جهود منع انتشار الفيروس.

 

ومع ذلك، فإن معظم الجيوش تدعم تقديم المساعدات التقليدية والأنشطة المتعلقة بالإغاثة، مثل تعبئة البضائع وحراسة الشحنات وتوصيل الإمدادات.

 

لنتحدث الآن عن السلبيات

 

يقول "لونا ترياس": "اعتمادًا على السياق، قد يُنظر إلى الرد العسكري على أن الحكومة تتخذ إجراءات من خلال إبراز القوة، أو قد يُنظر إليه على أنه عسكرة للاستجابة للوباء، وقد يسبب ذلك خوفا وذعرا غير مرغوب فيه، ولهذا يحتاج القادة المدنيون إلى إدارة تلك العملية بعناية".

 

ويؤكد أنه يمكن للجيوش، وخاصة تلك التي على اتصال مباشر بالمدنيين، القيام بدورها في تهدئة مخاوف الجمهور، من خلال التخفف من الأسلحة والدروع كلما كان ذلك معقولاً.

 

إن الوظيفة الأساسية للجيوش هي ضمان الأمن القومي الذي ينطوي على الدفاع عن الدولة من الهجمات الداخلية والخارجية التي تهدد السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية.

 

لذلك تركز الجيوش التي تساعد في الشؤون المدنية على القضايا التي تهدد الأمن القومي أكثر من اهتمامها بتقديم المساعدة الإنسانية.

 

لموازنة الأمور، بحسب الباحث، تحتاج السلطات المدنية إلى تعيين "منسق مدني عسكري" وظيفته إشراك الجيوش بشكل استباقي في حوار لحماية وتعزيز المبادئ الإنسانية، وتجنب المنافسة، وتقليل التناقض، واتباع أهداف مشتركة.

وما يساعد على هذا الأمر، هو أن الجيوش تعتر قابلة للتكيف بشكل استثنائي.

 

وبالرغم من أنه ليس كل ما لديهم أوما يمكنهم فعله ينطبق على المشكلة المطروحة، تحتاج الجيوش لتوضيح الثغرات في قدراتها للنظراء المدنيين في وقت مبكر.

 

على سبيل المثال، والحديث لـ "ترياس"، لاحظت وزارة الدفاع الأمريكية أن مواردها مصممة لعلاج الإصابات الجسدية، وليس للتعامل مع الأمراض المعدية.

 

على هذا النحو، لم تكن مستشفيات الجيش الأمريكي الميدانية تحتوي بالضرورة على أماكن منفصلة، ولا يمكن للمستشفيات العائمة علاج المرضى الذين يعانون من أمراض وإصابات معدية.

 

ماذا حدث إذن؟ في مدينة نيويورك، قامت المستشفيات العائمة التابعة للبحرية الأمريكية بإخلاء المستشفيات المدنية من الحالات غير المعدية، حتى تتمكن الأخيرة من التركيز على المرضى الذين يعانون من "كورونا".

 

ويرى الباحث أن الاستجابات التي يقودها الجيوش تواجه بعض القيود في التنفيذ.

 

على سبيل المثال، يهيمن على المؤسسات العسكرية الذكور، مما يعني أنه يجب اتخاذ ترتيبات لجعلهم قادرين على رعاية النساء والأطفال وغيرهم من الفئات الضعيفة من السكان.

 

ويعتقد أنه في بعض الحالات، يجب نشر سيدات عسكريات، على وجه التحديد، لمساعدة السلطات المدنية.

 

ويخلص"أنجيلو باولو لونا ترياس"، إلى أنه يمكن للاستجابة من العسكريين أن تسد فجوة القدرات المدنية أو يمكنها توسيع الفجوة، وإذا تم توظيف الجيوش بحكمة، يمكن أن تساهم في تحقيق نتيجة إيجابية.

 

ويقول إنه يمكن للجيوش أن تساعد بعدة طرق، لكنها لا تستطيع حل كل المشاكل التي تحتاج استجابة من الحكومة.

 

في كل الأحوال، وبعد انتهاء أزمة "كورونا، سيكون هناك حوارات مجتمعية واستراتيجية على كافة المستويات لتقييم دور الجيوش في تلك الأزمة، وإمكانية استحداث مؤسسات داخلها لإدارة الأزمات المدنية بقدرات عسكرية.

اعلان