كورونا الذي عقد العالم.. ماذا سيحدث بعد فك الخيوط المتشابكة؟ (تحليل)

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

19:25 05 أبريل 2020

عندما ننظر إلى وباء "كورونا" في سياق توقعات متداخلة من محللين ومراكز التخطيط الاستراتيجي سوف نفكر في العديد من الأسئلة.

 

ومن العروف أن المناطق التي تتقاطع فيها أزمة "كورونا" مع الأنماط الاستراتيجية العالمية الحالية كثيرة ومؤثرة.

 

وكما هو الحال مع الأزمات العالمية والوطنية السابقة، فإنّ "كورونا" والاستجابة العالمية له لن تقلب النظام العالمي، لكنها ستسرع بعض الأنماط وستعطل أنماطًا أخرى، وفي النهاية ستكشف عن الضغوط والقوى الجيوسياسية العميقة التي تشكل النظام العالمي.

 

دعونا نبدأ من الصين.. منبع الفيروس التاجي..

 

منذ البداية، تمَّ السؤال عما إذا كانت أزمة "كورونا" ستعزز أو تزعزع استقرار قبضة الحزب الشيوعي على الصين، وبشكل أكثر تحديدًا ما هو تأثيرها على سلطة الرئيس الصيني والأمين العام للحزب "شي جين بينج".

 

وكان مضمون السؤال أكبر - هل سيؤدي ذلك إلى تسريع أو إبطاء صعود الصين، وهل ستشهد الصين كسب أو فقد القوة مقابل الولايات المتحدة؟

 

توترت القيادة الصينية بالفعل بسبب محاولتها إعادة تشكيل الاقتصاد الصيني في مواجهة الاحتجاجات في هونج كونج؛ وتجدد المشاعر المعادية للصين في تايوان؛ والضغط الاقتصادي والسياسي والعسكري من الولايات المتحدة قبل تفشي الفيروس. علاوة على ذلك، قد يكون توطيد السلطة في عهد "بينج" لتسهيل إعادة الهيكلة الاقتصادية والتحول إلى القومية قد مكّن الرئيس الصيني، لكنه ركز أيضًا المسؤولية عن الإخفاقات.

 

 

تباطؤ اقتصادي

 

شهدت الصين تباطؤًا أو انكماشًا هائلاً في اقتصادها في الربع الأول من العام الحالي، وحاليا تحاول تخطي الأزمة الأكثر خطورة. ستواجه الصين مشاكل اقتصادية حادة حتى نهاية العام على الأقل، إن لم يكن بعدها.

 

ويقول المحلل الاستراتيجي بمركز "ستراتفور" للدراسات، "رودجر بيكر": نحن نراقب مؤشرات على وجود مشاكل في قطاع الإقراض الصيني ونراقب عمق الضربة التي تلحق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي توظف عددًا أكبر من السكان و لديها إمكانية وصول محدودة إلى التمويل المصرفي.

 

ويرى أن هناك أدلة ظهرت على الاستياء الاجتماعي من بعض تدابير الاستجابة للوباء، بما في ذلك تقارير عن التحديات داخل الحزب. لكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا مجرد تذمر في الوقت الحالي، أو أعراض استياء أعمق أو أنها تعكس كيانات خارجية تحاول استغلال لحظة ضعف محتملة في الصين.

 

سيكون السؤال الرئيسي الآخر خلال الأرباع العديدة القادمة هو وتيرة ونطاق إعادة تنشيط الصين لمبادرة "الحزام والطريق". إذا رأت الصين الحاجة إلى التركيز على الاستهلاك الداخلي والنشاط الاقتصادي، فقد تقطع هذه المشاريع الخارجية.

 

حتى قبل "كورونا"، كانت بكين تعيد تقييم القيمة مقابل التكلفة في العديد من مشاريع "الحزام والطريق". ولكن في حين أن الصين قد تعزز قوتها الناعمة عبر إرسال الأطباء والإمدادات الطبية إلى دول أخرى، فإنها ستفقد الزخم في محاولتها لتشكيل الديناميات السياسية والأمنية لجيرانها وشركائها إذا قلصت الإنفاق على البنية التحتية الخارجية على مدى السنوات القليلة المقبلة.

 

فاعلية المنظمات الدولية

 

ثمة نقطة أخرى مهمة ستغيرها "كورونا" في العالم، وهي التعامل مع المنظمات الدولية، التي تراجعت فعاليتها خلال فترة الوباء، لاسيما أن الجزء الأكبر من الاستجابة لأزمة "كورونا" كان قوميا بطبيعته، ولم تقده المؤسسات الدولية متعددة الجنسيات.

 

ويرى "بيكر" أنه في حال اعتبار هذه المؤسسات فاشلة في الأزمة الحالية بعد أن فعلت القليل في الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمن، إلى جانب فشلها في وقف الصراع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وإدارة الهجرة بسبب النزاعات أو التصرف حيال مخاوف تغير المناخ العالمي، فإن "كورونا" سيثير الجدل حول إصلاح شامل للحوكمة العالمية.

 

إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يؤدي ببساطة إلى تجاوز الدول للعديد من هذه المنظمات سعياً وراء مصالحها الخاصة.

أما أخطر الأنماط العالمية التي سيؤثر عليها "كورونا" بشكل محوري فهي سلاسل التوريد، والتجارة العالمية.

 

صدمة لسلسلة التوريد المعولمة التي تلفت الانتباه إلى المخاطر التي تهدد استمرارية الأعمال والتجارة، وفي بعض الأحيان تشكل خطورة على الأمن القومي.

 

حتى قبل "كورونا"، كانت سلاسل التوريد العالمية تواجه تحديات من الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومن القومية الاقتصادية المتزايدة في جميع أنحاء العالم.

 

وبالرغم أن العالم لم يتحرر من قوة الجاذبية للصناعات التحويلية إلا أن التوترات التجارية بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العمالة في الصين تسببت في بدء بعض الصناعات التحويلية في فيتنام وأماكن أخرى في جنوب شرق آسيا.

 

سلاسل التوريد

 

وفي الوقت نفسه، كان التحضير لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإعادة تقييم سلاسل التوريد حيث قامت الولايات المتحدة بمراجعة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والترتيبات التجارية في أماكن أخرى تؤثر أيضًا على القرارات المحيطة بسلاسل التوريد.

 

يقول "رودجر بيكر": سينظر إلى الفيروس على أنه اضطراب قصير المدى للنشاط الاقتصادي العالمي، حيث تمكنت بعض الشركات من نقل الإمدادات بسرعة خارج الصين في الأيام الأولى من الحجر الصحي في الصين، في حين أعادت شركات أخرى تجهيز المصانع أو الاعتماد على فائض المخزون.

 

ولكن، ماذا عن الشرق الأوسط؟..

 

في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كان لتوسيع إنتاج الطاقة الأمريكية والدفع نحو مصادر الطاقة المتجددة تأثير بالفعل على أنماط العرض والطلب، فإن الانخفاض الإضافي في الاستهلاك المتعلق بـ"كورونا" سيؤثر بشكل كبير على الاستقرار المالي الوطني، لاسيما في دول الخليج، التي تعتمد على النفط لضبط ميزانياتها.

 

كانت السعودية والإمارات ودول أخرى تواجه رياحا معاكسة في الجهود الاقتصادية والإصلاحية قبل "كورونا"، وستظل بحاجة إلى معالجة تزايد أعداد الشباب الذين يتوقعون خدمات عالية من الحكومة، ويأتي كل ذلك وسط انخفاض الإيرادات.

 

ويقول "بيكر": إذا توقفت جهود الإصلاح، ستتحول احتياطيات الحكومة لإعطاء الأولوية للإنفاق الاجتماعي بدلا من التنويع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية والاستثمار الخارجي. وقد تثبت الإصلاحات الجزئية عدم الاستقرار الاجتماعي حتى مع ارتفاع الإنفاق الاجتماعي.

 

وفي حين أنه من المتوقع تحول بعض الدول إلى الصين فإن التحول في هذا الوقت سيكون بالرغم من تكلفة السيادة الوطنية أو على الأقل القدرة على المناورة السياسية، وكما هو موضح أعلاه، فقد تحتاج الصين إلى تحديد أولويات إنفاقها الداخلي.

 

وسيلعب السلوك الإيراني ما بعد "كورونا" دورا في تحديد طبيعة المنافسة والعلاقات الإقليمية، وقد تكون الاضطرابات السياسية في إيران مزعزعة للاستقرار الإقليمي مثلها مثل تعزيز سيطرة الحكومة الإيرانية.

اعلان