كورونا والتباعد الاجتماعي.. أزمة جديدة قد تتجاوز مسألة الصحة

كتب: محمد الوقاد

فى: العرب والعالم

22:00 17 أبريل 2020

يذهب كثير من المتابعين والمتخصصين إلى أننا لا نعيش حاليا فترة حرجة من تفشي جائحة كورونا" فقط، بل إننا على أعتاب مرض اجتماعي قد يتحول إلى وباء أيضا، وعند الحديث عن الآثار، سنجد أن آثار الوباء الاجتماعي المنتظر لن تقل عن آثار الفيروس، بل قد تزيد.

 

وفي ظل عدم وجود لقاح للوقاية من الفيروس، وعدم وجود أدوية معتمدة لتخفيف الأعراض، كان الخيار الطبي الوحيد خيارًا اجتماعيًا، وهو التباعد الاجتماعي.

 

وكان الغرض من الحجر الصحي هو إنشاء حواجز أمام المرضى الذين يعانون من المرض، لكن القاعدة تطورت، فيب حالتنا، لتشمل الجميع، حيث جاءت القاعدة الطبية والصحية الأبرز في التعامل مع جائحة "كورونا": "ابق في المنزل مع عائلتك ولا تغامر".

 

أزمة اقتصادية

 

وقبل الأزمة الاجتماعية التي نحن بصدد تناولها، خلق هذا الحل (التباعد) أزمة اقتصادية، حيث بات الكثيرون لا يستطيعون الذهاب إلى العمل، وأصبح التسوق وتناول الطعام والأنشطة الأخرى محدودة، وارتفعت البطالة، واضطربت سلاسل التوريد، وانخفض الطلب على السلع والخدمات.

 

وبالرغم من أن الحكومات وضعت استراتيجيات للتخفيف من حدة الأزمة، وتخفيف حدة البطالة، ومنع فشل الأعمال التجارية من خلال حزم التحفيز والدعم، لكن من الواضح أن الاقتصاد لن يعمل كما كان من قبل، ولن تنتهي هذه الحالة التي سببت تشويها في الحياة بسرعة.

 

ربما تكون العواقب الاجتماعية أكثر عمقاً.

 

في الأيام العادية، يفترض نموذج الأسرة أن الأطفال سيذهبون إلى المدرسة، وأن أحد الوالدين أو كليهما سيذهب إلى العمل، وسيكون لكل منهم فترات من البقاء بمفرده، أو في أماكن أخرى مع أشخاص آخرين.

 

على المستوى الأوسع، يختلط المجتمع مع الغرباء، من الذهاب إلى السينما، إلى الوقوف في الصف والدردشة، إلى مناقشة شراء سلعة مع بائع، وكما تقول القاعدة: "هناك مليار نوع من التفاعلات الاجتماعية، ولكل منها طقوسها".

 

تفجر الأسرة

 

وتعليقا على هذا، يقول الكاتب الأمريكي "جورج فريدمان" إنه إذا كان للتباعد الاجتماعي والأزمة الاقتصادية تأثير اجتماعي، فسيتم الإحساس بها أولاً في أدق مقياس للزلازل الاجتماعية وهو المنزل.

 

لذلك، والكلام لـ"فريدمان"،عندما يتطلب الهيكل الطبي أن تغير العائلات سلوكها بشكل كبير، ويولد النظام الاقتصادي مثل هذا الخوف وعدم اليقين، يتم الشعور بالضغوط أولا في الأسرة. يمكن أن تنتشر الضغوط خارج الأسرة، ولكن الآن الأسرة هي المجال الوحيد الموجود، ويتم ترجمة كل هذه المخاوف في مكان واحد مغلق وهو المنزل.

 

أظهر النظام الاجتماعي، بما في ذلك الأسرة، صمودا حتى الشهر الأول من التباعد الاجتماعي.

 

وتظهر استطلاعات "جالوب" السعادة والرضا عند المستويات العادية، ولكن لو اطلعنا بعمق، يمكننا رؤية العلامات الأولى للخلل الوظيفي، فقد أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، على سبيل المثال، تحذيراً من تصاعد العنف المنزلي، خلال الأيام الماضية.

 

يقول "فريدمان": في العنف الأسري، عادة ما يكون الرجل ضد المرأة، وثانياً ضد الأطفال، وهذه حقيقة ثابتة. يتسبب الأفراد الذين يعانون من خلل نفسي وظيفي في تمزيق الأسر ويمكن التنبؤ بذلك من خلال العنف الأسري.

 

عندما يتصاعد العنف على مستوى العالم، من غير المحتمل أن يكون ذلك مصادفة.

 

تم بناء المنازل والشقق بشكل يتوقع قضاء وقت كبير في الخارج. فهي ليست مصممة للبقاء المستمر من قبل الجميع. كما أن ضغط الحميمية على مدار 24 ساعة إلى جانب وضع ليس له نقطة نهاية واضحة يمكن أن يخلق توترا بين حتى أكثر العائلات حميمية.

 

وهناك العديد من العائلات ليست مترابطة بشكل كبير، وهي التي تنفجر أولاً، ومعظمها يأتي بدون عنف، في بعض الحالات يكون كلا الوالدين في المنزل بدون عمل. يجب على الآباء في نهاية المطاف مواجهة بعضهم البعض، جنبا إلى جنب مع أطفالهم. تنفجر الأسر داخل هذه الجدران بطريقة لا مفر منها. وليس العنف الأسري هو القاعدة، ولكنه أول مؤشر قابل للحصر إحصائيًا.

 

الضغط على العادات

 

وبالنظر إلى الضغط على طقوسنا الأساسية، قال "أنتوني فاوتشي" أكبر خبير للأمراض المعدية في أمريكا إنه لا ينبغي لأحد أن يتصافح الآن أو مرة أخرى.

 

ويتساءل "فريدمان": "هل يجب إلغاء كل طقوس حياتنا هذه، إلى جانب جميع طقوس اللمس الأخرى التي لا أتذكرها حاليًا، مع المصافحة؟ وظيفة المجتمع الطبي هي حماية صحتنا وحياتنا. لكن الصحة ليست مجرد مسألة طبية. إنها أيضًا مسألة طقوس فردية معقدة للغاية، تتداخل مع معتقدات دينية وعادات اجتماعية.

 

ويتابع: نحن في وضع صعب للغاية. لا يمكننا قبول موت البشر الذين قد يتم إنقاذهم. ولكن لا يمكننا أيضًا أن نعيش بسهولة مع القيود المطلوبة لتقليل تلك الوفيات. ويجب أن نحسب المعاناة والموت الناجمين عن الكساد الاقتصادي وهذا حدث حقيقي للغاية.

 

ما الحل إذن؟

 

يكمن الحل، بحسب الكاتب الأمريكي، في إيجاد دواء لا يتطلب الحجر الصحي ويسمح لنا بالعودة إلى العمل.

ويرى أنه بالنظر إلى ضراوة الفيروس، تكمن المشكلة في عودة انتشاره في حال رفع قيود المسافة الاجتماعية.

 

ويردف: أظن أنه يمكننا المخاطرة بدواء غير مثبت أكثر مما يمكننا تحمل الحياة المحدودة التي نعيشها.

اعلان